السبت, 23 يناير 2021 02:19 مساءً 0 340 0
الدكتور يوسف عبدالله الطيب ـ المحامي ـ المقال الرابع عشر
الدكتور يوسف عبدالله الطيب ـ المحامي ـ المقال الرابع عشر

الدكتور يوسف عبدالله الطيب ـ المحامي ـ المقال الرابع عشر

أصناف الفكر في العلم المادي :علمي، جدًلي، خطابي، شعري، مغالطي

   إن علم الله تعالي  بالوجود المادي لا حد له ولا يمكن تكييفه او حصره ، اما علم الانسان وفكره عن الوجود المادي فهو يرد بحدين اي بتضمنين مختلفين : اولا  ـ  كوظيفة فسيولوجية للجهاز العصبي وهو : نوع وعدد الفكرات في الدماغ عن اي شيء له وزن ويشغل حيزا من الفراغ . والفكرة (Thought) هي وحدة العلم في الجهاز العصبي وهي :  النمط المميز لانتقال الإشارة داخل الدماغ (Specific pattern of signal transmission throughout the brain)  ، والعلم هو مجموع الفكرات في الدماغ واستعادتها  والمكاملة بينها ، و الفكر هو : صياغة الدفعات الحركية (formulation of motor impulses)  .ليظهر للعيان في شكل كلام أو تصرفات . وفي هذا يختلف حظ كل انسان عن غيره من الناس (تخصصه)

 ثانيا : كظاهرة او نشاط اجتماعي وهو : كل معرفة مسترشدة بقانون طبيعي او يمكن تفسيرها بقانون طبيعي( قوانين موضوعية ) وهو بهذا يشمل كل ما في ادمغة افراد الناس او ما سطروه في الكتاب عن العلوم الطبيعية والاجتماعية ، وهذا قد بلغ اليوم الكمال او كاد.

 

  وللحديث عن أصناف الفكر في العلم المادي  ـ الفسيولوجي والاجتماعي ـ نقول : إن  التطور الرفيع في علم الجهاز العصبي وتشريحه  و نشاطه الفسيولوجي ، وطبيعة العلم والفكر حديث جدا ، ولقد كان الاقدمون يجهلونه تماما أو كانت معرفتهم بها محدودة جدا يما فيهم أرسطو وابقراط وجالينوس عليهم رضوان الله ، وكانوا يحسبون ان القلب هو مركز العلم والفكر ، وهو ما اقره القران في بعض آياته , ولم يقل احد ان الدماغ هو مركز العلم والفكر الاّ الكمايون تلميذ فيثاغورس ، ولما كان الفكر فسيولوجيا  محجوب عن أعين الناس في داخل أدمغة الناس. سعي الفيلسوف اليوناني الأشهر أرسطو رحمه الله لوضع القوانين ليهتدى بها الإنسان لتقويم علمه وتوجيه فكره اجتماعيا ، فوضع علم المنطق ليكون الوسيلة التي تعصم الناس من الذلل في العلم ومن الضلال في الفكر مستندا إلي كلام الإنسان وأقواله بعد أن عبث السفسطائيون أمثال بروتوغوراس  وجورجياس وغيرهم  من معلمي البيان بالجدل ، وصاروا يدافعون عن الشيء ونقيضه . وله في ذلك كتاب المنطق ، وهو عَمل مؤلف من خمسة كتب هي : كتاب المقولات ، وكتاب العبارة ، وكتاب  القياس ، وكتاب البرهان ، وكتاب الجدل . وأرسطو يقسم علم المنطق إلي ثلاث أقسام هي : الخطابة ، والشعر، والجدل ، وقد ذكر أرسطو في كتاب الجدل ، أن الغرض من كتاب الجدل هو تعريف القوانين والأشياء الكلية التي منها تلتئم صناعة الجدل و بها يكون أكمل وأفضل ، وقد قام الفيلسوف والطبيب والفقيه الأندلسي المعروف أبو الوليد محمد بن احمد بن رشد بتلخيص تلك الكتب الخمس ووضح الجدل بقوله : ولما كان الجدل عند الجمهور إنما يدل علي مخاطبة اثنين يقصد كل واحد منهما غلبة صاحبه بأي نوع أتفق من الأقاويل نقل أرسطو الاسم إلي هذا المعني الذي هو أقرب الأشياء شبها بالمعني الذي يقصده  الجمهور . وقد حدد بن سينا الهدف من المنطق بقوله : المراد من المنطق أن يكون عند الإنسان آلة قانونية تعصمه مراعاتها عن أن يضل في فكره . وشرح الطوسي المصطلح قانون الواردة أعلاه بقوله : معرب رومي الأصل ، وهو كل صورة كلية يُتعرّف منها أحكام جزئياتها المطابقة لها . والمنطق إذن ، حسب قول ابن سينا وتوضيح الطوسي هو : ذلك العلم الذي يُعني بتحديد القواعد أو القوانين التي يجب أن يلتزم بها الإنسان حتي يكون تفكيره وكلامه سليماً وبعيداً من الضلال. رحمهم الله جميعا ,

 

  ولقد لعب المنطق الأرسطي دوراً كبيراً في مسيرة العلم الإنساني لنحو من الفي عام من عمر البشرية ، فقد كان لزاماً علي كل عالم كبير إن يكون علي دراية بعلم المنطق والجدل والقياس الارسطي ، ولكنه اليوم قد فقد الكثير من قيمته في تقويم العلم وتوجيه الفكر ، كما ان الجدل قد تعرض للكثير من التشويه من عدد من المفكرين خاصة علي يدي الفيلسوفين الالمانيين هيجل وماركس ، مما حدا بالمفكر البريطاني المعاصر روسل (Russell) عند حديثه عن أرسطو للقول : نعم قد كان له تأثير عظيم في مختلف نواحي الفكر ، لكن تأثيره كان علي أشده في المنطق ، وأهم عمل لأرسطو في المنطق هو مذهبه في القياس . ويقول : من أراد في عصرنا الحاضر أن يدرس المنطق ، فوقته ضائع سدى لو قرأ لأرسطو أو لأحد تلاميذه .

 ومن رأينا إن قول روسل هذا فيه إجحاف كبير علي المنطق عند أرسطو ، فاذا كان صحيحا إن قيمة المنطق في توجيه العلم والفكر وصناعته قد تضاءلت كثيراً ، فان معرفة علم المنطق والجدل بحسب ارسطو ودراسته ، والالتزام بضوابطه ،  في حدود معقولة ، وتجاهل تخليط هيجل وماركس ، أمر ضروري حتى اليوم لكل إنسان لا يريد أن يخوض في الباطل ، ويريد أن يكون فكره أي كلامه وتصرفاته سليمة وبعيدةً عن الضلال ، و لا يريد أن يضل الآخرين . خاصة في أمرين :

 

أولهما : الالتزام بحدود الألفاظ أي معانيها أي تضمنها أي صفاتها .

فحد اللفظ حسب أرسطو : هو القول الدال علي ماهية الشيء التي بها وجوده الذي يخصه  ، ويعرف الإمام الجويني الحد بأنه : اختصاص المحدود بوصف يخلص له . وهو عند الأصوليين : الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره ويرادفه المُعرِّف ، إنه الجامع المانع ، أي الذي يجمع المحدود ويمنع غيره من الدخول فيه  . وأضيف :  إن معرفة حد اللفظ ومعناه يعني معرفة صفات ذلك اللفظ ، و معرفة خصائصه أي تضمنه بحسب علم دلالات الالفاظ (Semantic) وتطور العلم في كل مجال ، و كلما كان الشخص عالماً ومتخصصاً في علم من العلوم كان أعرف الناس بحدود الفاظه ومعانيها وتضمنها أمّا غيره من الناس فلن يعرف حدود الفاظ ذلك العلم مهما قال ، فالفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد والقانون وغيرها لا يعرف مصطلحاتها إلاّ المتخصصون فيها . وهكذا في كل علم دون استثناء . مما يعني أن علي كل متكلم أن يعرف حدود الفاظ العلم الذي يريد الكلام فيه ، ويلتزم بحدود ألفاظه كلها ، خاصة في حديث العلماء وفي قاعات الدرس ، ولكن يظل الالتزام بحدود الألفاظ : (العلم) (المادة) (الدين) (الإسلام) أمر لا بديل له ، لأن عدم التقيد بحدودها سوف يكون ضرره كبيراَ .

  وثانيهما : ألاّ تهدم أقوال الشخص وتصرفاته يعضها بعضاً ، وألاّ يناقض آخرها أولها .

    إن الفكر فسيولوجيا هو صياغة الدفعات الحركية ليظهر في الكلام أو التصرفات ، ولكنه كان عند اسلافنا حسب ابن سينا يعني : عزم الإنسان أو تصميمه علي أن ينتقل من أمور حاضرة في ذهنه، متصورة أو مصدق بها ، تصديقاً علمياً ، أو ظنياً ، أو وضعياً ، إلي أمور غير حاضرة فيه. ولقد طور أسلافنا القياس الأرسطي كثيرا لتوجيه الفكر وتكييفه ، وقد شغل القياس الباحثين من نواحي عدة خاصة من ناحية  : هل القياس الأرسطي خال من العيوب ؟ ومن ناحية : هل هو النموذج الوحيد للتفكير السليم ؟ ومن ناحية : هل يمكن أن يكون طريقاً  لكسب معرفة جديدة ؟

 

والحق لقد لعب القياس الأرسطي دوراً كبيرا في بناء العلم وتوجيه الفكر في الماضي ، وفي شتي مناحي المعرفة  خاصة في الطب و في الفقه الإسلامي ( علم استخلاص الأحكام من الكتاب والسنة ) ، فليس أمراً يجهله إنسان القول المشهور : إن مصادر الفقه هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس . والقياس في هذه الجملة هو القياس الأرسطي ، وقد ظل الفقهاء المسلمون يستعينون به حتي اليوم في استخلاص الأحكام بعد قياسها علي أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة . و الالتزام بالقياس في الفقه أمر هام جداً بل وجوبي ، وأن أهميته لن تزول أبدا ما دام الناس يحتاجون لفقه دينهم ، وحتى تمنع من يريد أن يضل الناس ، ويجعل من نفسه رباً لهم من دون الله من بناء أحكام الشرع علي هواه ، ووفق ما يطلبه هو والذين معه تحت ستار الاقوال الشائعة ( الاسلام يري ) (الاسلام يقول) (  فقه الضرورة ) ( فقه المرحلة) وغيرها من تبريرات الجهلاء والفاسدين والمفسدين والمنافقين ، والتي لا تعني غير رأي المتكلم نفسه رغم جهله وفساده الشخصي ، أو رأي الجماعة التي ينتمي إليها ، أو السلطة التي يدافع عنها رغم ظلمها ، فجعلوا من صبغة الله ودين الحق مطية للطغاة واللصوص ، وأيديولوجية للجهل والضلال والنفاق ، ومعاداة الموضوعية العلمية في العلوم الطبيعية والاجتماعية . كما أن القياس يستعمل بكثرة اليوم في القانون ، فالقضاة في كل الدنيا يقيسون علي نصوص القانون ، وعلي سوابق القضاة قبلهم في كل نزاع يعرض عليهم.

 

والقياس حسب ابن رشد هو: القياس بالجملة هو كما جاء في كتاب القياس ( لأرسطو ) قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم عنها شيء آخر غيرها اضطرارا. وأرسطو يقسم القياس إلي ثلاث أصناف هي:

 1 ـ القياس البرهاني : وهو القياس الذي يؤلف من مقدمات صادقة .

 2 ـ القياس الجدَلي ( الدال مفتوحة ) : وهو القياس المؤلف من المقدمات المشهورات أو الذائعة.

 3 ـ القياس السفسطائي : وهو القياس المؤلف من المقدمات التي يظن أنها مشهورة وليست مشهورة أو يظن أنها صادقة وليست بصادقة . ولقد شرح بن سينا أشكال القياس من علم المنطق ، وبين أنواعها ، شرحاً وافياً في كتابه الإشارات والتنبيهات ، ولقد قسم ابن سينا أصناف القياسات من جهة موادها وإيقاعها التصديق إلي خمسة أصناف .

 

ولقد شرح الإمام الطوسي أصناف القياس الخمس هذه بقوله :.

  1 ـ القياسات البرهانية : هي القضايا الواجب قبولها ، وهي التي يكون الصدق بها ضرورياً . والقياس البرهاني  يتألف من الواجبات ، أي يتألف من الصادقات.

 2  ـ  القياسات الجدَلية (الدال فاتحة ) : هي المؤلفة من المشهورات ، وهي المسلمة من المخاطبين . وغاية الجدَل هي الإلزام ورفعه ، لا اليقين . وهو بهذا يتألف من الممكنات الأكثرية أي يتألف مما يغلب عليه الصدق.

  3 ـ القياسات الخطابية : هي المؤلفة من المظنونات ، أي المقبولات ، أي المشهورات في بادئ الرأي ، التي تشبه المشهورات الحقيقية حقة كانت أو باطلة . إنه يتألف من الممكنات المتساوية التي لا ميل فيها لأحد الطرفين ، أي  يتألف مما يتساوى فيه الصدق والكذب .

 4 ـ والقياسات المغالطية : هي مما يغلب عليها الكذب ، فالقياسات المغالطية هي المؤلفة من الوهميات ، إنها القياسات  العنادية أي السفسطائية .

 5 ـ القياسات الشعرية : هي المؤلفة من المقدمات المخيّلة ، من حيث هي مخيّلة ، سواء كانت مصدقاً بها أو لم يكن ، وسواء كانت صادقة في نفس الأمر أو لم تكن . بمعني أنه قد يتألف من الممتنعات ، أو يتألف من الكاذبات.

  ولكن تطور العلم كظاهرة اجتماعية أي نشاط اجتماعي جعل من اصناف القياس هذه غير كافية لتقويم العلم وتوجيه الفكر ، ولقد استغل السفسطائيون والمغالطون والمنافقون المعاصرين ذلك النقص الذي اعتور القياس لتشويه الفكر وتضليل الناس، فصار كل جاهل وكل سفسطائي ، وكل مغالطي كذاب يتكلم علي هواه ، ويخرج ما يروغ له من الغث في الكلام والقبيح من التصرفات مدعيا انها ( فكر) ، ويخفي ذلك بالقول : فكر (سياسي) (اسلامي) (علمي) ( ماركسي) (جمهوري) ( علماني)  وغيرها ، أو يخفي جهله عند الحديث بما هو خارج عن نطاق تخصصه تحت غطاء المؤهلات الاكاديمية أو المهنية خاصة (دكتور) فيقول ما يريد رغم جهله به ، فيضل عامة الناس ظنا منهم انه (دكتور أو بروفسور) . او يفرض عليهم ما يريده  بقوة السلطان ، أو يتخذ من هذا (الفكر) ستارا للتآمر ضد الآخرين .

 

واذا كنا لا نستطيع أن نمنع الناس في عصرنا هذا من أن يتعلموا ما يحبون وأن يفكروا كيف ما يشاءون ، أي ان يقولوا ويفعلوا ما يريدون في اطار قوانين المجتمع وتشريعاته وقيمه ، فقد صار ذلك حقا مكفولا لكل انسان بعيدا عن قهر الاخرين ، كما انه هام لتطوير الفكر اجتماعيا ، لكننا نستطيع أن نضع القواعد لتحديد طبيعة ونوعية ومقدار علم كل انسان و طبيعة فكره فسيولوجيا ، وأن نضع الاختبارات والامتحانات لتحديد ذلك ، كما نستطيع تقسيم الفكر اجتماعيا الي أصناف محددة ، ونحدد تضمن وخصائص وصفات كل صنف من انواع الفكر الاجتماعي علي حدة ، وان نضع لكل نوع حد قائما بذاته ، ونضع له وصفا يحيط بمعناه المميز له عن غيره ، ويكون جامعا مانعا له ، بحيث يمنع غيره من اصناف الفكر من الدخول فيه أو يخرج عنه ما هو فيه ، ونقول : علي من يريد أن يتكلم اليوم أو يتصرف امام الناس أن يسأل نفسه قبل كل كلام وقبل كل تصرف : ما هي طبيعة و نوعية علمه فسيولوجيا (كيميائي ، طبيب ، مهندس ، زراعي ، قانوني ، اقتصادي  وغيرها)  ؟ وما مقدار علمه ودرجة تخصصه ؟ ( خريج .. ماستر ..دكتور ,, الخ )  ثم يسال نفسه : لمن يريد أن يتكلم او يتصرف ؟ ثم ماذا يريد أن يقول للآخرين او يتصرف امامهم ؟ وما هو هدفه من الكلام أو التصرفات؟ ثم يلتزم بضوابط المنطق من حيث الالتزام بحدود الألفاظ ، وألاّ يهدم كلامه وتصرفاته بعضها بعضا أو يناقض الواقع ، ثم يلتزم بنوع الفكر الذي نري لزاما تقسيم الفكر الاجتماعي اليها في كل كلام وكل تصرف.

 

 

 إنني أريد إن أقول: يمكن لنا تقسيم الفكر الاجتماعي في العلم المادي إلي خمسة أصناف وهي:

  أولاً ـ الفكر العلمي : أنه فكر العلماء والمتخصصين الذين نالوا قدرا رفيعا من العلم (علي الاقل خريج)، إنه الفكر الذي يكامل فيه العالم المتخصص الحقائق الموضوعية الموجودة في دماغه ، ويظهرها دون ما تغيير ، سواء في كلامه أو في تصرفاته ، وهذا ينبغي ان تتوفر له شروط ثلاث :

       1 ـ أن يكون المتكلم أو المتصرف عالما و متخصصاً في العلم الذي يتكلم فيه.

       2 ـ أن يلتزم فيه بذكر الحقائق العلمية والموضوعية الخالصة

       3 ـ أن يكون المتلقي عالماً ومتخصصا في ذلك المجال، أو طالبا للعلم في معاهده.

 

  ثانياً ـ الفكر الجدَلي (الدال فاتحة)، وهذا يمكن تقسيمه إلي نوعين :

   أ ـ الفكر الذي ينشأ نتيجة تواصل أو تحاور أو نقاش أكفاء حول أمر ذي بال شريطة ألاّ يكونوا من العلماء ، وأن  يلتزموا  فيه بالقوانين التي تنظم مجال الحوار أو النقاش ، وبشروط وآداب الحوار ، ووحدة الهدف وجديته . وفي غير ذلك سوف يكون الحوار سفسطة فارغة ، وتخليط رجرجة ودهماء مهما كان قدر المتحاورين أو كان الأمر خطيرا . مثال الحوار في الهيئات التشريعية أو المحاكم أو أجهزة الدولة أو منظمات المجتمع المدني أو الحزبي وغيرها  .

  ب ـ الفكر الذي يكون نتيجة تواصل طالب النصح والتوجيه مع عالم ومتخصص ، إنه الفكر الذي ينشأ من مكاملة العالم للمعارف التي في دماغه ولكن في أدني درجاتها من أجل توجيه الشخص البسيط ، إنه خطاب العلماء لطالبي النصح والتوجيه وليس خطاب العلماء للعلماء ، ولكنه بالتأكيد ليس خطاب الجهلاء الساعين للتضليل . مثل أن يشرح طبيب أو صيدلي أو مهندس أو زراعي أو قانوني أو غيرهم من المتخصصين كل في مجاله لطالب النصح والتوجيه أو المساعدة فيما يهمه ، فالمطلوب من العالم الالتزام بالحقائق العلمية، وأن يبتعد عن الكذب أو التضليل، ولكن ليس مطلوبا منه أن يتكلم بلغة المتخصصين ، أو أن يصل إلي عمق الحقائق العلمية في ذلك المجال.

 

ثالثاً ـ الفكر الخطابي : أنه الفكر من أجل إقناع العامة ، إنه خطاب غير العلماء وغير المتخصصين أو تصرفاتهم أمام عامة الناس، كما يحدث في الندوات العامة ، أو في خطب المساجد ، أو الليالي السياسية ، أو في أجهزة الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة في موضوعات علمية أو هامة بغرض التوجيه العام والتثقيف. وفي هذا قد يدخل شكل المتكلم ولباسه، وانتماءه ، وربما اسرته او عرقه بحسب مكان ونوعية من يسعي لإقناعهم . مع ضرورة الابتعاد عن الكذب والتضليل.

رابعاَ ـ الفكر الشعري ، إنه الفكر من أجل الإبهار ، أنه الفكر الذي يحدث فيه تحوير الواقع وتغييره من أجل الإمتاع أو إثارة المشاعر والانفعالات أو الاحاسيس مثل الحب ، الكره ، الغضب ، الخوف ، الخجل وغيرها من التأثيرات التي تتصل بنشاط الادرنالين والنورادرنالين ومثيلاتها، إنه ذلك الفكر الذي يهدف فيه المتحدث أو العارض إلي الإمتاع أو الابهار، وليس عرض الحقائق بهدف الإقناع. والفكر الشعري هو فكر الأدباء والشعراء والعاملين بالفنون مهما كان نوعها مثل الشعر، القصة ، التمثيل ، الرسم ، النحت ، الموسيقي ، الرقص، الغناء ، وغيرها من أنواع الفنون. وأول شرط في الفكر الشعري هو أنه : متخَيّل . ولهذا لا يشترط صدق مقدماته من كذبها لأنه قياس علي غير الواقع بهدف مخاطبة المشاعر والانفعالات و الاحاسيس ، وقديما قيل : أعذب الشعر أكذبه . وعلي الشاعر أو الفنان أو الراقص أن يعلم ذلك ، وأن يعلم أن الفكر الشعري ليس هدفه الإقناع و الدفاع عن الانتماءات خاصة الحزبية ، وإنما هدفه الاثارة ، وعلي المتلقي أن يعلم ذلك كذلك ، وألاّ يطلب من الفنان أو المغني أو الراقص أو كاتب القصة أو القصيدة أو ملحنها أكثر من ذلك ، أو أن يطلب من العمل الفني غير أن يهوّم به في سماوات الخيال ، ولو كان موضوعه مدح المصطفي صلي الله عليه وسلم . ولهذا لم يعلِّم الحقُ تعالي رسوله صلي الله عليه وسلم الشعر ، وما كان ينبغي للمصطفي صلي الله عليه وسلم محاولته ، فكلامه ومسلكه كله كان موضوعيا و صادقا مهما كان الأمر بسيطا . و للإبهار أجاز النبي صلي الله عليه وسلم الشعراء وكافأهم عليه . وثاني شروط الفكر الشعري أن يفهم مقدمه أنه يتكلم أو يعرض الواقع بشكل فيه بعض التغيير ولو طفيفاَ بهدف الإمتاع  ، وأن يفهم المتلقي أن مخاطبه يقصد إبهاره وامتاعه وليس أي شيء غيره ،  لهذا يجب إن يبتعد العارض عن الإسفاف ، أو التجريح ، أو البذاءة  ، فكلما سمت لغة الفكر الشعري أو أشكال عرضه كلما كان رفيعاَ .

  خامساَ : الفكر المغالطي : أنه الفكر السفسطائي والعدواني ، أنه الفكر من أجل التضليل أنه مكاملة المعلومات الكاذبة والخاطئة من أجل الخداع ، إنه جدل الجهلاء مع الجهلاء ، أو جدل المفسدين مع غيرهم  إن هدف السفسطائي هو خداع الناس وتضليلهم أو تخويفهم وليس هدفه الوصول للحقيقة ، فالجاهل أو الكذّاب أو المنافق لن يعرف الحق أبداً ولن يقول به غض النظر عن موضوع الحديث ولو كان عن دين الله تعالي أو كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، أو كان الحديث عن قضايا علمية أو اجتماعية هامة . و هذا للأسف يحدث كثيراً أو دائما ، وبشكل قبيح ، من الذين يمارسون العمل السياسي أو العمل العام خاصة في اوساط الاسلامين والماركسيين. والشخص المغالطي والعدواني كثيراَ ما يلجأ للتهريج والصياح والسباب ، وربما العنف والضرب في التخاطب مع الآخرين ، أو الرشوة وإفساد ذمم الناس وذلك أمّا بسبب جهله بقضيته  ، أو ضعف حججه وبراهينه ، أو ضلال موضوعه أو لغرض قبيح يخفيه تحت الكلام .

 

     خلاصة القول عندي : إننا نستطيع اليوم أن نعلّم كل إنسان العلم الذي يرغب فيه ، ونستطيع وضع الاختبارات والامتحانات لمعرفة طبيعة أو نوع علمه ، ودرجة تخصصه ، و نستطيع تحديد غرضه من الكلام والتصرفات ، ومن يخاطب من الناس  ،  وبالتالي تحديد صنف فكره : علمي ، جدَلي ، خطابي ، شعري ، مغالطي ، ونحدد ما إذا كان ذلك  الشخص عالماَ وصادقاً وموضوعياَ في علمه وفكره ، أم أنه مغالطي سفسطائي كذّاب مضل مهما كانت مكانته الاجتماعية او وجاهته الدينية او مركزه السياسي ،  خاصة الماركسيين والاسلاميين .

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مشرف عام
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق