السبت, 16 فبراير 2019 04:01 مساءً 0 331 0
أسامة رقيعة من داخل الكنيست الإسرائيلي
أسامة رقيعة من داخل الكنيست الإسرائيلي

حين وصلنا هناك كان قد أشتد بنا الجوع ، هذه الأرض أحبها ، ولكنني لا أعرف طرقاتها جيدا ، كنت أنا وفي خضم ضبابية الوصول وهيجان معدتي الجائعة أحلم بخبز حار ، خبز اغمسه جيدا في حساء دافئ وابلعه نحو معدتي فتهدأ هي واحس أنا بالاسترخاء

لمعت فكرة في ذهن مرافقي ، فرأيته يضئ جواله ويقول لي : الخرائط من قوقل او نظام تحديد المواقع العالمي ( الجي بي أس ) ، سوف نبحث  عبره  عن مطعم عربي يكفينا شر هذه الجوعة ،  فقلت له وانا اضع يدي فوق بطني نعم أسرع واشمل بحثك عن اي طعام حلال ( حلال فوود ) ربما تكون النتيجة اسرع،  وهكذا ظهرت امامنا وعلى شاشة جوال مرافقي أسم مطعم  رأينا صورته فهتفنا معا ..  ها هو لابد انه مطعم عربي ، كانت بيانات المطعم على الخارطة توضح انه يبعد حوالى 11 كيلو متر تقريبا من موقعنا ، فلم اتريث ونظرت امامي في الطريق فوجدت يدي ارتفعت تلوح لاقرب تاكسي يمر من امامنا واقول لمرافقي شغل نظام الجي بي اس في هاتفك ودعنا نقود صاحب التاكسي فهو مهما تحدثنا اليه لن يستوعب مقدار جوعتنا وحنيننا الى الخبز الحار والطعام الدافئ في هذا الليل البارد .

انطلق التكاسي المطيع وقد كان يخترق الطرقات في سهولة ويسر ويعبر الازقة الضيقة بين المباني العاليات كما ولو انه ينزلق على الجليد  ، قال لنا نظام تحديد المواقع اننا قد وصلنا ، فهبطنا من التاكسي ونقدناه الفلوس شاكرين ولكنني وانا اترجل من التاكسي اصبت ببعض الاحباط استطعت ان اعالجه سريعا مرتكزا على صياح معدتي واحساسي بالجوع ، كان المكان متواضعا جدا ولايشير الى ثمة مطاعم كبيرة ، بل كل مافيه بعض الدكاكين الصغيرة المضاءة بعناية ومحلات وفي الطرف البعيد من الشارع ثمة شي كأنه فرن للمخبوزات او شي من هذا القبيل ، التفت لمرافقي فوجدته يوزع نظراته بين جهازه الجوال الذي في يده وبين واجهة المحلات والدكاكين محاولا مطابقة الاسماء كما ظهرت لنا  ثم فجأة  انتفض واسرع نحو مكان مضاء ثم حثني على متابعته ، نعم كان هو ذاته مطعمنا الذي على الخريطة .. حاول الاحباط ان يطل على برأسه مرة اخرى ولكني سبقته بالدخول الى المطعم .

 المطعم صغير جدا في حجم الصالون لا اكثر ، المطبخ ومكان اعداد الطعام في الواجهة يحتل مساحة بالكاد تسع لشخص واحد ولكن بداخلها ثلاث فتيات رقيقات وسريعات الحركة ... كل شي نظيف جدا ومضاء بعناية  .. الى الداخل قليلا طاولة مرتفعة لا تزيد مساحتها عن مساحة كتاب متوسط الحجم وعليها جهاز صراف كمثل الذي في كل المطاعم .. يقف خلف الطاولة شاب شديد بياض البشرة كامل الوقار  وافر الاحترام وفي عينيه بريق الذكاء ، كان سريع الحركة خفيف التنقل بادرته بسؤال الجائع المتلهف ماذا تقدمون من طعام نريد ذلك الذي لا ياخذ وقتا في الاعداد

اللحظة الذي جاوبني فيها هذا الشاب عن نوع الطعام صاحبني فيها بعص الخدر قي جسمي ولا ادري اين اختفي الاحساس بالجوع لانني ما سمعته جعلني احس بالفعل انني داخل الكنيست الاسرائيلي وان كل الذين في هذه المساحة الصغيرة من الطاولات هم الحكومة الاسرائيلية بذاتها ، لا بل انني التفت ناحية مرافقي فبدت لي صفحة وجهه وهو يبتسم بخفة ظل كمثل باراك أوباما وهذا الداخل مجدد من خلفه نحو المطعم هو دونالد ترامب نفسه لا احد غيره ، فقد قال لي الشاب الانيق نحن نقدم طعام اسرائيلي فهو مطعم اسرائيلي متخصص ، حاولت ان اخفي كل هذا الشعور بان اساله مرة اخرى كما ولو اني لم اسمعه او لم افهمه بعد ، ما هذه الورطة يا صديقي تخيلت انني لو خرجت سوف يبلغ عني ولو دخلت اي طعام سوف اطلب ، هل اقول انني قد شبعت ولكن هؤلاء الاذكياء قد يكتشفون انني جائع بالفعل ولهذا اتيت ، و لم اعرف اين راح احساسي بالجوع واين ذهبت اشواقي للخبز الحار ، التفت لمرافقي واعترفت له اننا قد دخلنا بارجلنا الى الكنيست ولا مجال لنا للعودة ولابد ان ناكل .

قدم لنا الشاب قائمة الطعام و اعترف انني قد رفعت نظارتي ووضعتها ثلاث مرات ثم اقتربت من الاضاءة اكثر حتى استجمعت نظري الشارد فلمحت في وسط القائمة كلمة ( حمص  )  فعدت اساله هل تضعون زيت الزيتون الرائع على الحمص ؟ فانا احب الحمص جدا بزيت الزيتون الدافئ - وفي الواقع انا لا افعل - ـ فقال لي لا نحن في هذا المطعم نضع زيت نباتي به القليل من الثوم ونصنع الحمص يدويا في البيت فهللت له نعم هو جميل احبه ايضا اذا امنحني طبقا من الحمص .. ذهب خيالي اي بيت هذا واي يد هي التى سوف تقدم لي هذا الحمص وجلست على الطاولة ومرافقي امامي .

كيف تصنع الامم هيبتها بغض النظر عن اي شئ ، انا لا اعرف احدا هنا ولكني اعرف من اين هم ، تذكرت زياراتي السابقة لامريكا واوربا واسيا تذكرت اصدقائي المقيمون هناك لم يخطر ببالي كيف هم يتعاملون حين ولوجهم الى ثمة مطعم اسرائيلي وقد لمت نفسي كثيرا لما لم اسالهم واستفسر منهم قبل مجئي الى هنا وكيف انني في كل جولاتي هذه لم استعد لمثل هذا اليوم !!

اكلنا ورفيقي ذاك الحمص وطلبنا مزيدا من الخبز وابتسمنا لمن حولنا وختمناها بكوب عصير من البرتقال المحلى بالعسل وذهبنا الى فندقنا كي ننام في صمت والامطار تداعب هذه العاصمة التايوانية تايبيه وتمنحني انا جمالها الذي اعتادت و تذكرت ليلتها وفي  شوق كبير الكثير من اصدقائي الذين درست معهم القانون بجامعة الخرطوم  ولنا عودة .

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق