السبت, 16 فبراير 2019 04:16 مساءً 0 294 0
عين على الترجمة
عين على الترجمة

مثقفون بلا حدود

دكتور / فهد الراشد

تحدثنا بالأمس ونتحدث الآن وسنتحدث غداً وبعد غد وإلى الأبد... عن عبقرية أمة وشمس حضارة سطعت بنورها فأضاءت سماء الدنيا؛ كانت رافدا لحضارات اليوم، صنعت ثقافة تألق فيها العربي وغير العربي، المسلم وغير المسلم، فتركت أثراً في رقي المجتمعات المتقدمة، إنها الحضارة الإسلامية العربية، التي كانت نواة للثورة الصناعية الحالية.

فالإسلام لم يكن يوماً منغلقا على نفسه، بل بمقوماته التي تؤهله استطاع وباقتدار أن ينهل من الرصيد التاريخي للحضارات، التي سبقته ويفيد من تجاربها الثرية؛ فعمـّق مبادئ الحوار والاحتكاك معززا حركة الترجمة، جاء في مجلة الحياة الثقافية، تونس، عدد 189، جانفي 2008، ص 34. «لا شك في أن حركة الترجمة في العصر العباسي كانت نقلة نوعية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية حقـّقت نهضة حضارية شاملة، فبفضلها أتيح للعرب المسلمين أن يتعرفوا على الآثار الباقية من القرون الخالية في مدّة زمنيـّة قياسيـّة، فكانت الترجمة بداية انطلاق في المسيرة الحضارية التي امتدت في القرون اللاحقة».

والترجمة من حيث هي مصطلح يطلق بصفة عامـّة على نقل النصوص من اللغة الأم إلى غيرها من اللغات أو نقلها من هذه اللغات إلى اللغة الأمّ. وقد خـُصـّص مصطلح «النقل» للجانب الأوّل من الترجمة، ومصطلح «التعريب» للجانب الثاني منها. والترجمة من حيث هي نشاط فكري وحضاري عبر التاريخ كانت وما تزال الوسيلة الناجعة لتلاقح الحضارات والثقافات «أ.هـ.»

ينبغي علينا بألا نبخس الدولة الأموية حقها في نقل علوم وثقافات الأمم والحضارات القديمة والمعاصرة إلى حاضرتهم؛ فأسهمت في رقي الحركة الفكرية والثقافية الإسلامية العربية.

 فلا شك في أن النواة الأولى لعلم الترجمة كانت في بيت الخلافة الأموية بدمشق، ثم بعد ذلك ازدهرت وتألقت في بيت الخلافة العباسية ببغداد التي وصفها ياقوت الحموي قائلاً: «هي بغداد أم الدنيا وسيدة البلاد».

المترجم هو فرد؛ والفرد هو وسيلة من وسائل الثقافة، وهو أداة من أدوات الحضارة، وهو الطريق المؤدية إلى المعرفة، هو علم الله وخليفته في الأرض، لقد فطن الأوائل إلى هذه المسلمات فاعتنوا بأفرادهم، واستثمروا عقولهم، وحرصوا على توفير أجواء مناسبة لإبداعاتهم، فقد كان من نصيب المترجمين أن أنشئ لهم بيتا خاصا لمزاولة عملهم وتوثيق علمهم، أطلق عليه (بيت الحكم)؛ لذا «يلتصق بذكر الترجمة في بغداد اسم بيت الحكمة أو خزانة الحكمة أو بيت العلم - كما تسمى أحيانا - والاسم الأول أعم، وهي مؤسسة لتدارس العلوم التطبيقية في المقام الأول، كالطب وعلم الهيئة وعلم الحيل (الميكانيكا) والهندسة وترجمة كتب هذه العلوم إلى اللغة العربية وقد أسس هذا البيت الخليفة هارون الرشيد، ورعاه باهتمام بالغ ابنه الخليفة المأمون، ومن بعده الخلفاء الذين أعقبوه. ومن شهرة اهتمام الخليفة المأمون بأمور هذه المؤسسة أنه طلب من ملك الروم (ثاوفيل) أن يوفد إلى بغداد العالم (قاون) ليكون ناظراً على بيت الحكمة، ووعده إن أجابه إلى ذلك بهدنة دائمة وإنعامات أخرى جزيلة؛ كذلك مما ساعد على انتعاش حركة الترجمة سخاء الخلفاء والأمراء ووجهاء بغداد في العطاء والتكريم، ويروي ابن أبي أصبيعة أن الخليفة المأمون كان يكرم حنينا بإعطائه وزن ما يترجمه ذهبا» أ.هـ، جاء ذلك في الكتاب المرجع في التاريخ، المجلد الثالث، ص 543.

وفي ضوء ما قد سلف نوصي بالآتي:

أولا: يجب الاهتمام والاعتناء ورعاية المترجمين، فهم وعاء ثقافات متعددة، وعلوم متنوعة، لذا؛ ينبغي تذليل كل العقبات لهم، وتسهيل معيشتهم اليومية، وعدم انشغالهم بمراجعة الإدارات والوزارات، لا بد لنا أن نفرغهم تفريغا تاما لعلم الترجمة، ورصد مزيد من الدعم المالي لهم، فهم علماء الوطن والأمة.

ثانيا: ينبغي علينا تفصيص العلوم المترجمة؛ فعلى سبيل المثال لو كانت هناك تجربة ماليزية رائدة في مجال التربية وطرق مناهج التعليم، علينا إنشاء قسم خاص بذلك نطلق عليه «قسم الترجمة التربوية التعليمية الماليزية»، هذا على سبيل المثال، ولو كانت هناك صناعة أجهزة كهربائية وإلكترونية صينية، كذلك نخصص قسما خاصا بذلك نطلق عليه «قسم الترجمة الكهربائية الإلكترونية الصينية»، وقس على ذلك بقية العلوم الأخرى. فنحن بذلك سوف نغطي كل الدول المتقدمة في جميع المجالات والصناعات حتى نصل - إن شاء الله – إلى صناعة السيارات والطائرات وما شابه ذلك.

ثالثا: إنشاء مراكز متعددة للترجمة بالأقسام سالفة الذكر، وحبذا تسمية هذه المراكز باسم قامات وأعلام كويتية بارزة، وباسم شيوخ وشيخات من أفراد الأسرة الحاكمة الكريمة.

أرجو بألا نفرح كثيرا بديمقراطية السجالات التافهة التي آذت مسامعنا في قبة البرلمان، وأن نتخلص من الشخصانية والحسد والغيرة العمياء، ونترك البغض والحقد جانبا (هذا أين وصل؟ وكيف وصل؟ ولماذا وصل؟ ومتى وصل؟) ألا رفقا بهذا الوطن، ألا رفقا بهذا الوطن، ألا رفقا بهذا الوطن.

* كاتب وباحث لغوي كويتي

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق