الثلاثاء, 19 فبراير 2019 03:33 مساءً 0 223 0
أسرار وخفايا طباعة العملات
أسرار وخفايا طباعة العملات

مدير مركز أبحاث الجريمة د. ياسر عنقال يكتب
 لـ(أخبار اليوم)

العملات أو الفئات الورقية المصرفية هي قلب الأمة النابض، وتعرف بالأوراق ذات القيمة المالية؛ لذلك كل محتوياتها بدءاً بالخامة والتركيبة الكيميائية لها والمداد والصور والرسومات والأشكال الهندسية والجُمل والعبارات والأرقام المتسلسلة تعتبر جميعها وسائل حماية وتحمل معان ومدلولات عظيمة وقيم معنوية إضافة لقيمتها المادية التي لابد من الإلمام بها.   
ملامح العملة
الجهة التي تقوم بطباعة العملة وحمايتها وتنظيمها هي إدارة متخصصة بالبنوك المركزية تسمى لجنة الإصدار كما في حالة التجربة السودانية أو تسمى لجنة طباعة العملة كما في تجارب دول أخرى، وهي لجنة فنية من المفترض أن تضم في عضويتها عدداً من المهنيين المتخصصين من خبراء اقتصاد، أمن، علم نفس، علم اجتماع، فنان تشكيلي، مهندس.... إلخ  يعملون جميعاً جنباً إلى جنب على اختيار محتويات الفئة أو الفئات الورقية المعنية من رسومات وصور وجُمل وعبارات وأشكال هندسية حتى الألوان وبقية وسائل الحماية الداخلية والخارجية للفئة, ولابد أن تتناسب هذه المحتويات المختارة مع عقلية المواطن في الدولة المعنية, والسبب في ذلك أن إلمام المواطن بملامح العملة يعتبر أهم وسيلة من وسائل حماية الفئات الورقية المصرفية من التزييف, فهو ـ أي المواطن ـ من يتداول هذه الفئات تداولاً حقيقياً، فهو في سوق ليبيا مثلاً أو سوق ستة وطلمبات الوقود والصيدليات وأسواق الخضر والفاكهة لابدّ أن يكون على إلمام ودراية تامة بكيفية التفرقة بين العملة الحقيقية وغير الحقيقية لحظة تناولها أو تداولها, وما هي مميزات الفئات الحقيقية ومميزات الفئات غير الحقيقية؟
حيث تعتبر الثقافة والوعي المتعلق بهذه الأمور من أهم وسائل حماية الاقتصاد القومي من الأيادي التخريبية إذا وضعنا في الاعتبار كمية الأموال المزيفة التي تدخل النظام المالي القانوني في الدولة نسبة لجهل أو عدم إلمام المواطن بملامح عملته المصرفية الصحيحة؛ لذلك أكثر ما تحرص عليه الدول عبر بنوكها المركزية هو الاستدامة على تثقيف وإلمام المواطن بملامح عملته عبر الوسائل الإعلامية المختلفة المرئية أو المقروءة أو المسموعة، ولابد لأعضاء لجنة الطباعة المتخصصين وهم يختارون تلك المحتويات أن يضعوا في الاعتبار ما هي الألوان أو الأشكال الهندسية المحبذة لدى هذا الشعب مثلاً، وما هي المعالم البارزة في الدولة التي يمكن أن تكون محل إجماع وتوافق بينهم و......إلخ
القيمة المعنوية للعملة والوحدة الوطنية
من أهم المحتويات التي تختارها لجنة طباعة العملة هي الصورة التي أشرنا إليها والتي توجد في واجهة الفئة، وهي تختلف من فئة لأخرى، إذ لابدّ أن تكون من المعالم البارزة في الدولة والمتفق عليها أي أنها مكان إجماع كرمز وطني لكل الشعب أو المواطنين, والهدف من اختيار هذه الصورة أو هذا الرمز الوطني أنها تعمل بطريقة أو بأخرى على ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية في الدولة, فتداولها يومياً بين المواطنين وحرصهم على امتلاكها وبذل المزيد من الجهد للحصول عليها يمكن أن يكون بمثابة رسالة تذكير للناس برمزيتها الوطنية, لذلك ولهذه الميزة والقيمة المعنوية لا تفضل الدول تغيير عملاتها أو استبدالها أو سحبها من التداول وذلك لما يمكن أن يحدثه هذا التغيير أو الاستبدال بهز ثقة المواطن ناهيك عن تأثيرها على الوحدة الوطنية ما دامت تلك الصور محل إجماع واتفاق, وليس كما يعتقد البعض أن واجهة العملة هي مساحة لعكس التباين الثقافي في الدولة لذلك كان لابد من الاجتهاد لحشد أكبر عدد من المعالم والتراثيات من جميع أنحاء القطر أو محاولة تمثيل كل الإثنيات والثقافات والقبائل في الدولة في هذه المساحة المحدودة؛ لذلك فالمحتويات من الصور خاصة أو الرسومات أو المباني في واجهة الفئة كلها وسائل حماية تخفي في دواخلها أسراراً ومعاني ورسائل وبالتالي وجودها ليس مصادفة وهي ليست مؤقتة أو مرتبطة بفترة زمنية محددة قابلة للتبديل أو التغيير بين كل فترة وأخرى. ودوننا فئات الولايات المتحدة الأمريكية الدولار التي كانت أولى طبعاتها في العام 1928 حيث ظلت ثابتة محتفظة بكل محتوياتها من حيث عدد الفئات والمساحة وحتى الألوان وغيرها دون أي تغيير إلى يومنا هذا، وقد اختير لها سبعة من الزعماء الوطنيين الذين كان لهم دور في نهضة أمريكا ليكونوا بمثابة معالم بارزة يمكن أن تلعب دوراً في ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية لدى الشعب الأمريكي، وهي طبعاً ـ أي الصورة ـ لابد أن تكون صورة واحدة بكل فئة وذلك حتى تسهل على المواطن البسيط عملية التعرف على الفئة في أي هيئة تناولها.
علامات الضمان
 الصورة لأنها واحدة من وسائل الحماية قد تحمل في دواخلها وعبر نقوشها وطريقة طباعتها الكثير من علامات الضمان الدقيقة المدمجة في عجينة أو ألياف الورقة التي يجب على المواطن الإلمام بها.
وعملة المملكة المتحدة الجنيه الإسترليني التي تحمل في واجهتها صورة الملكة إليزابيث هي أيضاً وسيلة من وسائل الحماية وتعمل على ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية لدى الشعب البريطاني. وعملة دول الاتحاد الأوربي اليورو التي اختير لها صورتا الباب في الواجهة كرمز لانفتاح اقتصادي جديد والجسر في الخلفية كرمز للتواصل بين الدول الأعضاء في الاتحاد ستبقيان أبد الدهر ما بقي الاتحاد قائماً.  
تغيير العملة
لذلك تغيير العملة أو استبدالها إذا ما دعت الضرورة ليس من اختصاصات و لا صلاحيات محافظي البنوك المركزية أو وزراء الخزانات المالية أو رئاسات الدول، وذلك كما أسلفنا نسبة للقيمة المعنوية التي تحملها وما تلعبه من دور في الوحدة الوطنية والأمن القومي.
فلجنة الطباعة أو الإصدار بعضويتها المهنية الفنية والأجهزة الديناميكية الحرة التي تعمل على التنسيق بين مؤسسات الإصدار وخبراء الكشف ومراكز الأبحاث العلمية هي الجهات التي يمكن أن تقرر وتسهم في كيفية تغيير العملة متى ما دعت  الضرورة لذلك. مع  العلم أن العملات التي خضعت للتغيير في تاريخها كالجنيه الإسترليني الذي زيف بعد الحرب العالمية الثانية, كان التغيير هناك بمثابة إعادة تصميم للفئة بتغيير مواقع بعض المحتويات المختارة كالرقم المتسلسل أو القيام بإجراء بعض التحسينات للصور من تكبير وتجميل وإزاحتها يمناً أو يساراً كما في الدولار الأمريكي اليوم الذي تجرى له إعادة تصميم كل سبع أو ثماني سنوات لمواجهة محاولات التزييف المتكررة التي يتعرض لها الدولار بين حين وآخر حول العالم مع تأكيد البنك الاحتياطي الفدرالي باستمرار أن الولايات المتحدة لم تقم بتغيير عملتها ولم تفكر في ذلك أبداً، وما ذلك إلا تفادياً لأي مخاطر يمكن أن يتعرض لها الدولار من هزة في ثقة المجتمع الدولي وتأثير سلبي في الوحدة الوطنية.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق