الأثنين, 27 مايو 2019 11:17 صباحًا 0 511 0
رمضان بنكهة الثورة
  رمضان بنكهة الثورة

الشرق الأوسط
في السودان لا حديث غير الثورة، حتى الشهر الفضيل هذا العام يصومه السودانيون بـ«نكهة الثورة»، وفيما يرفع المعتصمون أمام مقر قيادة الجيش شعار «رمضان أحلى مع الاعتصام»، تتابع الجاليات السودانية بالخارج أخبارهم متحسرة على غيابها.
وكانت الساحة أمام القيادة ، حيث مقر الرئيس ورئاسة الجيش، قد تحولت إلى مقر للثورة لإجبار البشير على التنازل ثم تواصل الاعتصام، معلنين أنه لن يرفع ما لم يتم تكوين حكومة انتقالية مدنية تقتلع النظام السابق، وتعيد الروح للخدمة المدنية، وتمهد الأجواء لإجراء انتخابات حزبية نزيهة.
وفيما ما يزال «تجمع المهنيين» و«قوى الحرية والتغيير» أو «قادة الثورة» يتفاوضون مع المجلس العسكري الذي يمثل القوات المسلحة التي انحازت للثورة بحثاً عن اتفاق على حكومة مدنية، يظل الاعتصام قائماً وقوياً وحيوياً رغم اقتراب العيد المبارك   ، ولا يزال الآلاف من الثوار لا يبارحون ساحته ليل نهار والأعداد والوفود في زيادة يومياً، سيما وقت الإفطار وصلاة التراويح. قبل دخول شهر الصيام بدأت الاستعدادات للفطور والسحور بالساحة، ولم تكن استعدادات بسيطة، بل حرص الثوار حتى على إعداد «عواسة» و(مشروب الحلو مر) الذي يعتبر المشروب الأول طيلة شهر رمضان وظلت النساء تتداولها من جيل إلى جيل، وبدوره تداولها هذا العام جيل الثورة و«الكنداكات» الذين يشمرون ويرتبون كل يوم للإفطار الجماعي لآلاف معتصمة وتلك التي أمست تفضل الإفطار بمقر الاعتصام الذي تغير وتبدل حتى يتناسب وظروف الشهر الكريم الذي دخل سجلات التاريخ السياسي السوداني كأول رمضان يصام بالخرطوم، ومختلف مدن السودان داخل ساحات تؤمنها العزيمة والروح الثورية وتحرسها متاريس حجرية خشية محاولات فضه بالقوة.
ومع دخول رمضان توالت تبرعات سخية بخيام بلاستيكية واسعة ومكيفة تم نصبها، خاصة أن درجات الحرارة تقارب الخمسين درجة مئوية، والمعتصمون صيام في أرض أسفلتية مفتوحة.
إلى ذلك، لم تنقطع التبرعات المتنوعة بما فيها أطعمة ومشروبات منذ اللحظات الأولى للاعتصام وإن تغيرت الأصناف مع حلول الشهر الكريم، إذ يفضل السودانيون أكثر ما يفضلون عادة وطيلة الشهر أنواعاً معينة من الأطباق أهمها «العصيدة» و«الملاح» (صوص من خضراوات ولحم)، بالإضافة لسلطتي الخضراوات المشكلة والخيار أو «العجور» مع الزبادي. وبالطبع يتوسط المائدة مشروب «الحلو مر» المثلج ومشروبات تقليدية أخرى منها الكركدي والتبلدي ثم القهوة والشاي.
لسرعة العمل وتجويده تم تكوين لجان تشرف على الإفطار بمساعدة متبرعين نشطاء، منهم من يقوم بالإعداد والطبخ داخل ساحة الاعتصام نفسها وبكميات ضخمة، كما تصلهم كميات وافرة بعضها يصل كوجبات كاملة ومغلفة تحملها شاحنات ضخمة «دفارات»، ترسلها أحياء تتشارك في تحميلها بما لذ وطاب، فرحة بزوال الطغمة التي جسمت على أنفاس السودان طيلة ثلاثة عقود.
بدورها، ترسل مؤسسات وشركات خاصة وجاليات احتياجات الصيام كافة، وفي هذا السياق، كانت الجالية السودانية القبطية سباقة للتبرع.
من جانبها، تحرص أسر على إعداد ما يتيسر لها ونقله لمشاركة المعتصمين حلاوة الإفطار بنكهة الثورة، حيث يكون الشباب وقت العصر قد نظفوا الأرض وفرشوها بـ«البروش»، التي هي نوع من الفرشات الأرضية التقليدية للجلوس عليها في صفوف متقابلة، وما بينها يوضع الطعام في أريحية وتكافل رائعين. كما تفرش بروش أخرى للصلاة.
ورغم مشقة الصيام دون شك، يتوزع الثوار حراسة الساحة ومهام التفتيش، خشية أن يدخلها أي نوع من السلاح، حفاظاً على سلمية الثورة التي ظلت سلمية، حتى عندما كان الثوار يواجهون الرصاص وأفظع أنواع البطش والإرهاب.
ورغم انتشار الأمن حالياً، فإن الحرص لا يزال مطلوباً، سيما وأن بقايا النظام لا تزال طليقة لم تقتلع من جذورها بعد، ولا تزال الثورة تجابه مؤامرات ومطامع، وما يزال السودان دون حكومة محمياً بوعي الشعب وجيشه حتى الوصول إلى بر الأمان.
كذلك يعمل الثوار على ترتيب الأدوار ليل نهار للحفاظ على نظافة الموقع وتنظيم برامج، بما يتناسب ومتطلبات الشهر الكريم وروح الثورة وبرامجها الثقافية والترفيهية، كما تنتظم برامج تعليمية وتثقيفية، وتموج الساحة بأجواء مفعمة بالإيمان والروحانيات، ممزوجة بروح المقاومة والصمود والإحساس بالنصر وبسودان جديد يسع الجميع.
في معرض رد ساخر على سؤال عن كيفية الصيام بمقر الاعتصام بعيداً عن البيوت وتلك الأجواء غير المعهودة؟ أجاب أحدهم: «يقين رمضان ما منه خوف، اليوم يمر سريع زي ابن عوف». وابن عوف، هو وزير الدفاع الأسبق الذي شغل منصب رئيس المجلس العسكري ليوم واحد فقط، ثم استقال، إذ لم يقبله الثوار لكونه جزءاً أصيلاً من النظام الذي خلعوه.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق