الخميس, 22 أغسطس 2019 02:08 مساءً 0 262 0
إلى حمدوك: وجع القيادة وكرسي الوزارة!
إلى حمدوك: وجع  القيادة  وكرسي الوزارة!

مر قطار عطبرة ذاك اليوم على قضبان أرض القيادة فهاجت الذكرى الأليمة وتذكر الثوار تلك الأيام الخوالي التي كانوا يخيطون فيها للوطن جدائل عرسه القادم فبكى الجميع وسال الدمع على أرض القيادة ليغسل ما تبقى من دماء إخوتهم الشهداء الذين سقطوا فجر ذاك اليوم الدامي وبعضهم لم يكمل بعد تسبيحات صلاته وأوراد يومه وهم لا يدرون أن الموعد في ذلك اليوم مع الجبار الذي لا يُظلم عنده أحد.
سقط الشهداء في ميدان القيادة وشهر رمضان المعظم يلملم أطرافه مودعاً ليستعد الناس للفرح القادم ولكن العيد لم يأت!  فغاب الفرح وبكت الأمهات وغالب الآباء دموعهم والحزن يعتصر الدواخل وألم فراق الأحبة يدمي القلوب.
ينتظر العالم معنا وصول رئيس الحكومة المرشح لقيادة الفترة الانتقالية ليبدأ عهدٌ جديد من الممارسة السياسية في البلاد وتسابق الجميعَ أشواقهم لوطنٍ حرٍ عزيزٍ غير ذي عوجٍ لا يهان!
أستميحك عذراً، سيدي رئيس الوزراء القادم، أن تطأ بقدميك ساحة الاعتصام في القيادة قبل أن تدلف بها إلى ردهات ذلك القصر الرئاسي وقبل أن تجلس على الكرسي لتحتويك جدران الوزارة الصماء وتغلق عليك أبوابها العالية وقاعاتها المكيفة وتلتف حولك الحاشية والبطانة.
لتكن وجهتك القيادة وأن تجيل ناظريك على تلك المساحات الممتدة التي كان يفترشها شعب هذا الوطن وأن ترى بأم عينك وطناً مصغراً عاش فيه الناس والشباب وأحلامهم تداعب بعضها بعضاً رغم قساوة الظرف والموقف.
دع أذنيك تسترجع صدى الماضي لتستمع لتلك الشعارات الثورية القوية (تسقط_بس/صابنها/الحل في البل/حرية سلام وعدالة... والثورة خيار الشعب/ حرية سلام وعدالة... سودانا قلعنا رجالة/سلمية سلمية.. ضد الحرامية) وهتافات المقاومة السلمية (دم الشهيد ما راح... الليلة سقطت صاح/ دم الشهيد ما راح... لابسنو نحنا وشاح/الدم قصادو الدم... ما بنقبل الدية) ونداءات النأي عن العصبية والجهوية (يا عنصري ومغرور... كل البلد دارفور/يا عنصري وسفاح... وين الجنوب وين راح) وذلك التهذيب الراقي في التعامل مع الغير (أرفع إيدك فوق التفتيش بي ذوق/أرفع إيدك حبة التفتيش بمحبة/ما تمشوا تخلونا... بالليل بجازفونا) وتلك المطالب النبيلة (الليلة ما بنرجع...إلا الحقوق ترجع) واستدعاء التاريخ ليشكل جزءاً أصيلاً من الحاضر (أنا جدي ترهاقا... حبوبتي كنداكة) والتأكيد على قومية المؤسسة العسكرية (جيش واحد شعب واحد/الجيش جيش السودان... الجيش ما جيش كيزان) وملامح مؤثرة من قيم الترابط والتعاون والتكافل (عندك خت...ما عندك شيل) ولا تنسى أدب الثورة الفكاهي (كنداكة جات... بوليس جرا... ثورتنا دي ما بتقدرا... شارعنا دة فوقو الشرا) وغير ذلك من الكثير الذي أفرزته تلك الثورة البيضاء.
لا يكتمل تطوافك إلا بالوصول إلى حدود  جمهورية أعالي النفق   لتستمع إلى ذلك الإيقاع الثوري الذي لم يتوقف إلا بعد أن هجم الغزاة على تلك الجمهورية المسالمة فسكتت الأصوات غدراً ولكن إيقاعها الحي سيبقى خالداً في الدواخل إلى الأبد!
سيدي رئيس الوزراء القادم
تذكر أن جلوسك على هذا الكرسي كان ثمنه أرواح العشرات من خيرة شباب هذا البلد الذين لم ينغمسوا في لهو أو مجون فتناسوا أمر الوطن بل مهروا حبهم له بدمائهم الطاهرة الذكية التي سالت ذات يوم على أرض القيادة.
لا تنس وأنت تجاهد النفس بين بريق المنصب وألق السلطة أن الثمن كان عنفٌ وبطشٌ وهوانٌ تحملها  هذا الشعب الصابر ليهنأ بعالم سعيد وحياة طيبة كريمة.
إن كنت قد قبلت الأمانة والتكليف، فاعلم أن عليك دينٌ واجب السداد للملايين من أبناء هذا الشعب الذين خرجوا إلى الشوارع مسالمين وهم يطالبون بالحرية والتغيير.
عليك دين لكل أمٍ فقدت ابنها الذي كانت تحلم أن تزفه عريساً بعد أن تخضب يديه وقدميه بالحناء وسط زغاريد الأهل والأقارب التي تشق عنان السماء، ولكنه عاد إليها محمولاً على نعشه والدماء تغطي جسده الطاهر لتزفه شهيداً بعد أن أخرس صوت هتافه العالي رصاص الموت الغادر!
عليك دينٌ لكل من تعرض للضرب والإهانة وكان يعتقد بأنه ولد حراً ليموت حراً تحت سماء وطن عزيز لا يرضى لأبنائه الضيم!
عليك دينٌ لكل مصاب أو جريح... من فقد عينه التي يرى بها غده المشرق أو قطعت يده التي كان يأمل أن يسطر بها أمنياته الواعدة على دفتر الحياة!
لو كنت ذاك الرجل، لخرقت القواعد وتمردت على البروتوكول وناديت بأن أؤدي القسم تحت خيمة تنصب على ساحة الاعتصام أمام القيادة وأن يعقد فيها أول اجتماع لمجلس الوزراء حتى يستشعر الجميع رهبة المكان ويستحضر الوزراء صور الضحايا الأبرياء وليدركوا أنهم ليسوا في رحلة ترفيهية بل في مهمة وطنية ولتكن أمامهم تلك الجداريات الثائرة التي تحكي قصة شعب أعزل معلم أدرك شبابه أن فجر الخلاص آتٍ ولو بعد حين!
مجدي مكي المرضي
20 أغسطس 2019م

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق