الثلاثاء, 03 سبتمبر 2019 03:46 مساءً 0 600 0
الأزمــة الاقتصـادية وصـناعة التعبـئة والتغليـف شـبه المفقـودة بالســودان
الأزمــة الاقتصـادية وصـناعة التعبـئة والتغليـف شـبه المفقـودة بالســودان

الخبير الاقتصادي سيد الحسن يكتب لـ(أخبار اليوم)

سيد رئيس الوزراء في لقائه المتفرد بقناة سودانية 24 مع الإعلامي المتمكن فيصل محمد صالح، شدد وكرر عدم تصدير منتجاتنا كمواد خام، بل مصنعة لتحقيق القيمة المضافة دعماً للناتج القومي.
في قمة متطلبات دخول السوق العالمي بمنتجات مصنعة أو نصف مصنعة خاصة الداخلة في الأغذية والمشروبات، نوعية التغليف ومطابقته للمواصفات العالمية لمنظمة الصحة العالمية، أضف لذلك أن جودة الطباعة وجمالها يكسب المنتج قيمة إضافية وقدرة على المنافسة، مثال لذلك المتداول في السوشيال ميديا عن منتجات سودانية أصيلة مثل الكركدي والصمغ العربي والتبلدي وحتى ورق شجرة النيم، معروضة بالسوق العالمي ومؤشر الطلب عليها عالٍ، لكن للأسف جُل ما نشاهده بالسوشيال ميديا معبأ ومغلف بدولة غير السودان البلد المنتج، بل يحمل اسم البلد المغلف وبأسعار أضعاف المواد بالسودان وبأسعار التصدير، مع العلم أن الدولة الثالثة لم تقم إلا بالتعبئة والتغليف، مما يصيب بغُصة في الحلق.
الصح بيخلع ما بيكتل
ولتحقيق هدف منع تصدير المواد الخام وتصنيعها، أولاً لا توجد بنية تحتية للتعبئة والتغليف من مصانع ومطابع وغيره، وإذا لم أبالغ أستطيع القول إن البنية التحتية للتعبئة والتغليف تساوي صفراً إن لم تكن أقل من ٥%... وصناعة التعبئة والتغليف عالية التكلفة على القطاع الخاص؛ لذا وجب على الحكومة توجيه شركاتها للدخول وبقوة للاستثمار في هذا القطاع، لمساعدة القطاع الخاص على غزو السوق العالمي بالمنتجات السودانية الأصيلة المصنعة ونصف المصنعة.
سوف أتناول في هذا المقال التجربة الإندونيسية مقارنة بوضعنا الحالي في قطاع التعبئة والتغليف، ولتكن القدوة الواجبة الاتباع والعمل على نقل تقنية التعبئة والتغليف من هذا البلد الذي بلغ قمة في المجال لكل المنتجات، هذا البلد يكن لنا شعبه وحكومته كل تقدير واحترام، مع رغبة دولته الأكيدة لمساعدة السودان للخروج من أزمته الاقتصادية دون أدنى أجندة سياسية، والدليل على ما أقول نشاط البعثة الإندونيسية بالخرطوم وتحركها في كل مناطق السودان طيلة الـ ١٥ سنة الماضية، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.
نقل الخبرات والتقنيات الحديثة
 سوف أتطرق لقليل من كثير يمكن الاستفادة من علاقتنا بدولة إندونيسيا ونقل تجربتها للسودان.
نشر بصحيفة الرأي العام السودانية بتاريخ 11 مارس 2012 تقرير للصحفية شذى الرحمة بعنوان:
(التعبئة والتغليف.. اشتراطات مفقودة)
 نصت أول فقرة بالتقرير على (الاحتفال باليوم العالمي للمستهلك في الأسبوع الحالي، نظمت الجمعية السودانية لحماية المستهلك منتداها الأسبوعى رقم (80) عن سلامة الأغذية.. التعبئة والتغليف نموذجاً).
ما ورد بالتقرير اعتراف من الجمعية السودانية لحماية المستهلك بأن معظم الموجود بالسوق السوداني من مواد تغليف مخالف للوائح التغليف ومخالف لتوجيهات منظمة الصحة العالمية السليمة للمحافظة على صحة المواطن، مما يسبب أمراضاً للمستهلكين وهذه حقيقة لا تخطئها عين في المنتجات السودانية المعروضة بالسوق المحلي.
وسوف أورد مثالاً واحداً وعليه فليكن معياراً لقياس بقية المنتجات السودانية.
حسب توجيهات منظمة الصحة العالمية في تغليف الأغذية والمشروبات بالمواد البلاستيكية يجب:
أولاً: أن يتم اختيار خام البلاستيك المناسب لكل منتج من الخامات المختلفة مثالاً لا حصراً  PP ,, PE ,, PES , LDPE , LLDPE , PET,,,, ect.
يتم اختيار نوع  يتناسب مع نوعية المنتج وطريقة حفظه بارداً أو ساخناً، وتعرضه للأشعة الضوئية لتقليل مخاطر خام البلاستيك على صحة المواطن مستهلك المنتج.. بشرط عدم استخدام خامات البلاستيك المدورة.
ثانياً: أن تكون الطباعة بين طبقتين من البلاستيك (تعرف بطباعة ساندوتش) حتى لا يلامس حبر الطباعة يد المستهلك أو يلامس المنتج الذي بداخله.
هذا النوع من الطباعة يتم بتقنيتين هما الروتوقرافور والفليكسوقرافيك Rotogravure Printing)، Flexographic)
الروتوقرافور  Rotogravure Printing
حسب معرفتي المتواضعة أن بالسودان كله يوجد عدد محدود جداً لا يتخطى أصابع اليد الواحدة من هذا النوع وبطاقات محدودة نجح أصحابها في استخدامها حصرياً لتغليف منتجاتهم للتميز في تغليف منتجاتهم عن الآخرين، لهم التحية والتقدير.
ثالثاً: نوعية الأحبار المستخدمة في الطباعة يجب أن تكون بالمواصفات المخصصة لتغليف الأغذية والمشروبات   Food Grade)).
معظم بلاستيك التغليف المستعمل في السودان تتم طباعته بالخارج وقليل جداً من يقوم بالطباعة حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية لعدم وجود رقابة.
سوف أورد مثالاً واحداً لمنتج يستهلك في كل البيوت السودانية مع إيضاح طريقة التأكد من الأضرار الناجمة عن هذه النوع من التغليف.
جُل بلاستيك تغليف البسكويت في السودان طبقة واحدة (وليس طبقتين بينهما حبر الطباعة حسب المواصفة العالمية الصادرة من منظمة الصحة العالمية WHO)، حبر الطباعة موجود بالجانب الخارجي للبلاستيك مما يعرضه للتحلل بمجرد التعرض لأي مادة تحل الحبر (مثالاً الكوستيك صودا الموجودة بصابون الغسيل أو البنزين أو الجازولين أو العطور) مما يترك أثر الحبر على الفم أو اليد (إذا كانت بيد المستهلك بقايا من هذه المواد المحللة للحبر) مع ملاحظة أن معظم المستهلكين للبسكويت من الأطفال مما يعرضهم للإصابة بأمراض على رأسها السرطان وهو أخطرها.
للتأكد من هذه المعلومة عليك أخذ عدة ماركات بسكويت  سودانية من أقرب بقالة أو دكان بالحي،  ونزع بلاستيك التعبئة ورشه من الخارج بعطر أو بنزين ومسحه بمنديل ورق لترى بأم عينك صدق ما ذكرته.
جشع المصنع السوداني وعدم وجود قوانين ولوائح صارمة تمنعه من استعمال هذا النوع من التغليف. السبب في استعمال هذه النوعية (الجشع) معظم البلاستيك المستعمل حالياً لتغليف البسكويت سماكته 30 ميكرون، وكل بلاستيك التغليف يباع بالكيلو، والمطابق للمواصفات العالمية يجب أن يكون من طبقتين، علماً أن أقل سماكة لصناعة البلاستيك 20 ميكرون وحسب المواصفات يجب أن يكون من طبقتين أي 40 ميكرون بسماكة تزيد بنسبة 25% عن سماكة الطبقة الواحدة المستعملة حالياً.
مما يعني أن الكيلو من المستخدم حالياً (طبقة  واحدة) يكفي لإنتاج عدد من عبوات البسكويت يزيد بنسبة ٢٥% مما يعني أن المصنع عليه أن يقوم بشراء ١٢٥٠ جراماً من بلاستيك التغليف المطابق للمواصفات العالمية (طبقين 40 ميكرون) لتغليف نفس العدد من العبوات ويكفيه شراء كيلو واحد من بلاستيك التغليف المستعمل حالياً. مع الأخذ في الاعتبار أن قيمة الكيلو من المطابق للمواصفات أعلى من سعر الكيلو المستعمل حالياً. علماً أن اتباع الطريقة السليمة باستعمال بلاستيك بطبقتين لا تزيد عن أقل من ١% إلى ٢% من قيمة المنتج النهائي (البسكويت).
مثال آخر للتغليف الضار بالصحة في السودان والمخالف لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وهو تعبئة اللحوم ومنتجاتها من سجك ومارتيدلا وما شاكلها. آخر ما توصل إليه العلم أن تعبئة اللحوم في أكياس بها فراغ مملوء بالهواء يعرض اللحوم للبكتريا وإن حفظت في ثلاجات (فريزر), والموصى به من منظمة الصحة العالمية هو التعبئة مع التفريغ من الهواء حتى لا يكون الهواء داخل الكيس مع اللحوم ومنتجاتها. ويسمى بالتعبئة مع   تفريق الهواء وهو ما يسمى بالـ  Vacum Packing  
(ولمعرفته للمواطن العادي تجد أن الكيس ملتصق التصاقاً تاماً باللحوم ومنتجاتها).
لماذا إندونيسيا متقدمة في مجال التغليف والطباعة، وتغزو المنتجات الإندونيسية الأسواق العالمية من أغذية ومشروبات وحتى الأدوية؟
إندونيسيا لديها إجراءات مشددة في مواصفات مواد التغليف للسوق المحلي، إضافة لدخولها كمصدر للمواد الغذائية له مساهمة كبيرة  في السوق العالمى، واليابان من أكبر الدول المستوردة للأغذية من إندونيسيا، واليابان من أكثر الدول المتشددة جداً في مواصفات مواد التغليف حتى بعد وصول المأكولات والمشروبات للميناء، وإذا ثبت عدم مطابقة مواصفات مواد التغليف من بلاستيك وورق وحبر وحتى الصندوق الخارجي، ترفض رفضاً باتاً دخول البضاعة التي لا تتطابق مواصفات تغليفها مع القيود المشددة جداً، وربما أدى ذلك إلى إعدام البضاعة وحرقها.
ولحاجة اليابان لمعظم الأغذية خاصة البخريو والمشروبات من المنتجات الإندونيسية بأقل الأسعار، أضف لذلك شعور اليابان بعقدة الذنب تجاه الشعب الإندونيسي لاستعمارها فترة قليلة، ولضربها لإندونيسيا في الحرب العالمية الثانية، دخلت كأكبر مستثمر في قطاع التغليف وصناعة البلاستيك والورق وحتى الأحبار لتتمكن من استيراد المنتجات الإندونيسية  وتقليل خسائر إعدام البضائع بعد وصولها الموانئ والمطارات اليابانية.
دخلت اليابان في مجال طباعة مواد التغليف حسب  المواصفات اليابانية بشركات منها مثلاً Nipon Di وأقامت مصنعاً للطباعة مع مصنع للأحبار.
وهناك شركات يابانية أخرى تعمل في مجال الطباعة وصناعة مواد التغليف حيث يتطلب المستورد الياباني للأغذية إبراز شهادات بأن مواد التغليف تمت طباعتها بإحدى الشركات اليابانية المعتمدة.
للعلم فقط بإندونيسيا أكثر من مائة مصنع لطباعة مواد التغليف تعمل بتقنية الـروتوقرافور والفيليكسو معظمها استثمارات يابانية أو شراكات مع شركات إندونيسية.
لن تتوفر لدينا فرصة الحصول على استثمارات في قطاع التعبئة والتغليف مثل إندونيسيا، والمسؤولية كبيرة على الحكومة وشركاتها لطرق هذا المجال عاجلاً لتحقيق القيمة المضافة المرجوة من منتجاتنا السودانية الأصيلة المتميزة بالتعاون مع القطاع الخاص لتوفير صناعات صغيرة داعمة لقطاع التعبئة والتغليف، مع حملة واسعة لوقف العبث الواقع في تعبئة الأغذية والمشروبات الضارة بصحة المواطن، فالموارد البشرية تمثل عصب التنمية في كل العالم، وماليزيا مثال.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق