الاربعاء, 25 سبتمبر 2019 06:02 مساءً 0 540 0
الأسرة السودانية.. خيارات الخطوبة والعقد الشرعي (2 من 3)
الأسرة السودانية.. خيارات الخطوبة والعقد الشرعي (2 من 3)

بقلم: أحمد مجذوب المبارك الشريفي

(الزواج المؤقت)
مؤكد أن تعبير (الزواج المؤقت) مثير و ملفت للنظر و قد يكون مظنة للسوء الذي يمكن أن يلحق بكاتب المقال ، لنتريث قليلا لنفهم ماذا يعني ، فقطعا لا نعني زواج المتعة أو نقرب منه فهو باطل وقد كان مباحا أول الإسلام ثم حرم ، و لا يقصد كذلك بالزواج المؤقت توقيتا مذكورا في صلب العقد فلا فرق حينئذ بينه وبين المتعة ، وأما إذا كان مجرد نية في قلب العاقد لم يتلفظ بها  ، فهذا ما يعرف بالزواج بنية الطلاق، وهذا قد اختلف العلماء في حكمه والراجح عدم جوازه وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل ؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية والاستمرار فيها ، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» ، و إنما أخذنا هذا المصطلح للتعريف بفترة غير فترة الخطوبة المعروفة إجتماعيا و كبديل لها ، حتي يكون التعارف جادا و اكثر قربا و ليزيد روابط المودة و الرحمة التي تعزز ظروف نجاح الزواج النهائي بعد الدخول ، بمعني نية الزواج و الاستمرار فيه.
نتفق جميعا أن هنالك فترة (خطبة) تسبق الزواج و تأتي بعد ابداء الرغبة للارتباط بفتاة ما بنية الزواج ، هذا معلوم ، و قد يكون بعد إبداء هذه الرغبة عدم إلزام بالعقد و يظل الوضع كمخطوبين فقط ،  أو إلزام بالعقد بينهما كرابط شرعي ، قد تطول و قد تقصر الى حين الدخول بها بعد اكمال الجانب العرفي الاجتماعي (يوم العرس) ، هذه الفترة هي ما اعتبرها (زواجا مؤقتا) ، اذا عرفنا أن كل متطلبات الزواج (الشرعية) و (القانونية) قد اكتملت و استلم الزوجان الوثيقة التي تثبت زواجهما كمستند رسمي يتم التعامل به و تعترف به الجهات الرسمية.
هذه المرحلة غير فترة الخطوبة التي لم يلحق بها عقد شرعي و بالتالى لا يطلق عليهما زوجين حيث لا يحق لهما بأي درجة من درجات التقارب و لا أي مستوي من مستويات اللقاءات الا لقاء مشروط بوجود محرم.
لهذا كل ما يقال عن أهمية فترة الخطوبة ما بين ابداء الرغبة و انتهاءا بالزواج ، (لا نتحدث عن ما قبل إبداء الرغبة) ، فهذه الأهمية و ضروراتها ، إنما هي وهم نفسي ، لا تؤثر و لا تقترب من معرفة كل على الآخر كما يظن الناس ، لما نعرفه جميعا من التجمل و إظهار نقاط محددة يراد إظهارها و إخفاء الكثير ، و في هذا «غش» للطرفين ، و الغش منهي عنه «من غشنا ليس منا» بالتالى ما بني على باطل فهو باطل ، لهذا تكثر المشاكل في بدايات الحياة الزوجية لإنكشاف كثير مما غطي سابقا ، و قد تستمر المشاكل حتي تعصف بالبيت و ساكنيه.
اذا فالعقد الشرعي المباشر بعد ابداء الرغبة للزواج من إحداهن ، هو ما نقصده (بالزواج المؤقت) ، الذي سيستمر إلي حين إنهاء الجانب المتعلق بالعرف الاجتماعي المشروط ، الذي اعتبره بديلا شرعيا لفترة الخطوبة ، حيث أنهما زوجان ، فقط لا يباح لهما الدخول ببعضهما إذا اشترطت الأسر عليهما ذلك ، أو أصبح معلوما بالضرورة الاجتماعية كعرف ، حيث لا يقال و لا يكتب و لكنه معلوم للجميع ، و الإخلال به لا يؤثر في العلاقة الزوجية و استمرارها ، الا أنه يرفض من باب (الحرج) الاجتماعي ، و لكنه ليس إثما شرعيا يلزم إقامة الحد عليهما مثلا.
في هذه الفترة و لأنها فترة (شرعية) يستطيع الطرفان معرفة بعضهما بدرجة أقرب للدقة ، و يكشفان عن خفايا و أحوال لا تباح لهما في فترة الخطبة ، بل تعتبر داعما قويا لإستمرارها و انهاءها بباقي المتطلب الاجتماعي كعرف (العرس) ، فوجودهما حتي و هما في حالة (خلوة) دون رقيب عليهما بدون تحديد سقف زماني أو مكاني ، يجعل حالات الراحة النفسية تتزايد ، و مع تزايدها ترتفع درجات الثقة بينهما ، مما يقود إلي إسقاط (الأقنعة) ، و بسقوطها تنكشف الإيجابيات التي تقرب و السوءات التي تبعد ، فتأتي مرحلة الثبات بعد العرس الاجتماعي كعرف ، و يساهم بدفع عوامل الاستقرار للحياة الزوجية للمستقبل.
لغير المسلمين عموما (فترة) نحن كمسلمين نرفضها جملة و تفصيلا ، حيث يتقارب كلاهما ، حتي قبل أو بعد إخبار الأسرتين من نشوء العلاقة و ما يتبعها من تقارب ووجود بينهما (غير شرعي) وفق ثقافاتنا الدينية و لا أثرعليهم هم ، و في هذه الفترة قد ينتج مولود (سفاح) معترف به و قد يشهد على زواج والديه ، هذه الفترة لديهم هي التي تحدد إستمرار ارتباطهما وإعلانهما كزوجين معترف بهما ، وثقا في بعضهما و ظهر لهما كل طرف بما أخفاه و يخفيه.
على هذا ففترة (الزواج المؤقت) هي التي يجب في تقديري أن تكون بديلا (اجتماعيا) لفترة الخطوبة المعروفة بكثرة محاذيرها الشرعية و الاجتماعية ، أما في هذه الحالة ، أن لم ينسجم الزوجان و اكتشفا ما يمنع إستمرار الزواج و صعوبة تحقيق الاستقرار المستقبلي سيتطلقان ، و طلاق المرأة قبل الدخول عليها غير المرأة التي تم الدخول بها.
معلوم بالضرورة ان عقد الزواج يجب أن يتم بإيجاب وقبول مع شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عاقلين رشيدين مسلمين سامعين الإيجاب والقبول وفاهمين له، وهذا الأشهاد كاف فى صحة العقد ، مع رضى ولي الزوجة عند أكثر الفقهاء، سواء تبعه إشهار أو لا، والإشهار سنة على قول الجمهور غير أن المالكية اشترطوا الإشهار قبل الدخول بدلا من الإشهاد أو معه وسبب الشهادة في النكاح هي ألا يكون الزواج سراً، وحفاظاً على الولد ألا يجحده أبوه ، أما الإعلان وإشهار الزواج فيكون بحضور عدد من الناس أو بعمل وليمة أو حفل أو إعلان فى وسائل الإعلام فذلك سنة ، ليشيع العلم بهذا الزواج بين كثير من الناس ، حتى لا يحدث شك فى علاقة الرجل بالمرأة ولا بالنسل المتولد منهما ، والحديث الشريف يقول « أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف واجعلوه فى المساجد « رواه الترمذى وحسنه ، لكن ضعفه البيهقى ، وهو وإن كان ضعيف، فهو يدعو إلى الإشهار بالوسائل المتاحة .
جرى العرف في بعض البلاد و منها السودان ، بعدم الدخول و عدم وطء الزوجة إلا بعد الزفاف لما في ذلك من الذم الذي قد يلحق بالرجل و المرأة ، و الأصل أنه ليس للزوج حق الطاعة على زوجته قبل الدخول ، قبل تسليم المهر المعجل ، و بعد عقد القران تصير الزوجة حلالاً للزوج له تقبيلها ولمسها وغير ذلك من الاستمتاع المشروع ، إلا أنه ينبغي مراعاة العرف في مسألة الدخول،  والزوجية تثبت بمجرد العقد . ولذلك إذا مات أحد الزوجين بعد العقد ورثه الآخر ، ولو كان ذلك قبل الدخول ، وقد تعارف الناس فيما بينهم أن يكون إعلان عقد الزواج مغايراً لإعلان الدخول ، ليس لأن الدخول محرم بعد العقد بل لأن ظروف الزوج قد لا تكون موائمة لأخذ زوجته لبيت الزوجية ، فصار هناك ما يعرف بـ « إعلان الدخول « أو « يوم الزفاف « ، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الزوج أن لا يدخل بزوجته إلا بعد إعلان الدخول , لأن دخوله بها قبل ذلك قد يوقعه وإياها في حرج شديد ، فقد يطلقها أو يتوفى عنها ، وقد تكون بِكراً فضَّ بكارتها ، وقد تصير حاملاً ، فتعرض المرأة نفسها لشبهات وتدخل هي وأهلها في متاهات قد لا يكون لها ما يوقفها.
تتلخص حدود العلاقة بين العاقدين في أن عقد الزواج إذا تم مستوفيًا أركانه وشروطه يكون العقد قد وقع صحيحًا، وتترتب عليه آثاره الشرعية.. ، كما جرى العرف أيضًا بأن الأب هو الذي ينفق على البنت المعقود عليها ما دامت عند أبيها، ولا يطالب العاقد بالإنفاق عليها إلا بعد الزفاف، وبالتالي فلا قوامة للزوج أثناء العقد، بل الولاية للأب، ويجب شرعًا مراعاة هذه الأعراف الصحيحة، والتي لا تعارض الأحكام الشرعية .
وكل ما هو باستثناء ذلك فإنه في دائرة المباح ، ومن ذلك خروج العاقدين إلى الأماكن العامة و الخاصة بدون محرم ، بل كل استمتاع دون العلاقة الزوجية المباشرة ، مع ضرورة مراعاة العرف ، فقد لا يسمح الأهل بمجرد الخلوة  ، فلا بد من إرضاء الأهل ؛ لأن ابنتهم ما زالت في بيتهم ، والطاعة تجب لهم و عدم الدخول بالزوجة يتعلق به بعض الأحكام العملية ، وعلي حسب القاعدة الفقهية (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) ، و قد ربط كثير من الفقهاء عقد الزواج وما يترتب عليه بالعرف فإذا كان العرف السائد بأن الزوج قبل إشهار الزواج وإعلانه يظل بعيدا عن أمرأته ولا يخالطها يجب مراعاة هذا العرف وعدم الخروج عليه
إيجابيات العقد و عدم الدخول:
{ أن العقد و عدم الدخول (الزواج المؤقت) هو افضل حلا من فترات الخطوبة التي قد تطول او تقصر و قد تترتب عليها أثارا ضارة بالغة الضرر و يحدث إغواء و عدم تمالك للمشاعر قد يقود الى فقدان الثقة بين المخطوبين كلاهما او أحدهما ، وقد تحدث فتنة تعصف بالأسرتين .
{ العقد فيه تأمين للعلاقة و تمتين لها لوجود مساحات من الود و الحب أكبر نتيجة للأمان فى الالتقاء و التواعد .
{ العقد يوفر غطاءا مثاليا للأهل متى ما حدث أقصى ما يمكن ان يحدث و هو الحمل فالطفل على الصحة منسوب لأبيه حيث لا ينكر و لا يصح إجهاضه و لا يصح عدم الاعتراف به ، إلا أذا أنكر الأب و للقاضي إثبات صحة النسب.
{ العقد قد يكون سببا فى تقليل تكاليف الزواج لما قد يحدث من تفاهم واقعى بين الزوجين .
{ العقد قد يقلل من حالات التوتر النفسى المصاحب لبعد الاثنين عن بعضهما لظرف او آخر .
{ اشباع و لو جزئى لرغبات مكبوتة و تنفيس عن طاقات طالما لم يتم الوطئ الكامل مما يساهم فى تهيئة المزاج الخاص بين الزوجين و قد يقود الى تعجيل اعلان زواجهم و اشهاره دون ارهاق نفسى و مادى ،حتى و لو فرضنا و تم استغلال العقد فلا ضير فى ذلك طالما ان العقد شرعيا صحيح الاركان
{ التزامات العاقد الاجتماعية و الأدبية و الأخلاقية تساعد على تجاوز و منع كثير من الاشكاليات التى قد تكون سببا لإنهاء العلاقة و هذا لا يمنعها عن كونها متزوجين الا أنه يقلل منها ( لفظ الطلاق أشد وقعا من فسخ الخطوبة).
{ العقد يحقق الامن الاقتصادي الاسري والاجتماعي والفكري.
{ عند العقد يمكن فقط التحذير من بعض التجاوزات عن العرف و ليس الشرع و يسمح لهما بالاختلاء بدون محرم ..

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق