الثلاثاء, 29 أكتوبر 2019 01:26 مساءً 0 195 0
تأملات
تأملات

سد النهضة.. السودان حوبتك جات

جمال عنقرة

عندما كتبت مقالا الأسبوع الماضي بعنوان (سد النهضة أين الحقيقة؟) وعبت فيه الموقف السوداني الرسمي والشعبي السالب، وأشرت إلي أن السودانيين مهمومين بالموقفين المصري والأثيوبي أكثر من اهتمامهم بموقفهم، وأنهم مهمومون بالمصالح والمضار علي مصر وأثيوبيا أكثر من اهتمامهم  بالمصالح التي يمكن ان يحققوها، والمضار التي يمكن أن تصيبهم، فلما كتبت هذا المقال لم يكن رئيس الوزراء الأثيوبي قد قال تصريحه الأخير الذي أعلن فيه استعدادهم لحشد مليون إثيوبي للدفاع عن سد النهضة في حال تعرض السد لمخاطر، وحديثه كان موجها لمصر، ويأتي في ظل التنازع بين البلدين حول قضايا السد الرئيسة، لا سيما سنوات التعبئة، وإدارة التشغيل. ولقد وصفت مصر التصريح بأنه صادم، وهو بالفعل كان كذلك، ليس فقط لأن القوة العسكرية أصلا لم تكن ضمن الخيارات المطروحة من الدولتين لحسم الخلافات بشأن سد النهضة، ولم يحدث أن لوح بها طرف، غير مرة واحدة قبل أربعين عاما بالتمام والكمال، ولم يكن تلويحا صريحا، ولكن عندما تحدث الرئيس الأثيوبي الراحل منقستو هيلا مريام عن سدود تزمع دولته أقامتها في بلده، جمع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات قيادات الجيش المصري، وحدثهم عن خطورة قيام مثل هذه السدود التي اعتبرها تهديدا لأمن مياه مصر، وأمن مياه مصر مثل أمنها القومي، ثم أرسل نائبه الفريق طيار محمد حسني مبارك لتبليغ هذه الرسالة للحكومة الإثيوبية، وأذكر أن الرئيس السادات حينما أراد أن يتحدث عن إرسال نائبه حسني مبارك إلي إثيوبيا قال (بعت لهم الود حسني). ولكن من دواعي وصف التصريح بالصدمة أيضا أن رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لم يمر أسبوعان علي ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام بسبب ما حققه من سلام مع جارتهم إريتريا، ومعلوم الدور الذي قام به رئيس الوزراء الأثيوبي في تحقيق التوافق بين المجلس العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير في السودان، لذلك لم يكن يتوقع أحد أن يلوح رئيس الوزراء الأثيوبي السيد أبي أحمد بإستخدام القوة لحسم خلافات سد النهضة.
وأذكر أن سألني أحد المواطنين السودانيين في بيت عزاء بعد يومين من هذا التصريح، سؤالا صادما، وقال لي (أين يقف السودان في حال نشوب حرب بين مصر وأثيوبيا بسبب سد النهضة) وأكثر ما صدمني في سؤاله أن مثل هذا المواطن لا يفكر في موقف مستقل للسودان لا في حالة السلم، ولا في حالة الحرب أيضا. ومثل هؤلاء يعززون حالة اللا مبالاة التي نعيشها تجاه قضايا مهمة نحن طرف أصيل فيها، مثل قضية سد النهضة، فقلت له عيب علي السودان أن يقف مكتوف الأيدي حتى تقع حرب بين مصر وأثيوبيا، ثم يبحث بعد ذلك أين يقف، ورغم غرابة تصريح رئيس الوزراء الأثيوبي، لكنني لم أخذه مأخذ الجد، ولم أفسر كلماته حرفيا، واعتبرته حالة تعبير لم يحالفها التوفيق، لكنها يجب ألا تهمل، وهي إشارة إلي قلة حيلة، ووصول إلي طريق مسدود، وهنا يجب أن يبرز الدور السوداني الذي كان غائبا، ولا بد أن أثبت في هذا المقام والمقال أن السودان كان له دور كبير في إدارة ملف سد النهضة بين الدول الثلاث علي ايام وزير السدود السوداني معتز موسي، ولقد شهد بذلك وزير الري المصري الأسبق الدكتور حسام مغازي، وما دام الموقف الآن قد وصل مرحلة من السوء لم يبلغها من قبل، فإن الدور السوداني يجب أن يكون أعظم من أي دور مضي، ولا أعتقد أن الدور السوداني يمكن أن يكون فاعلا لو حصرناه في الجانب الحكومي فقط، فالحكومة بمجلسيها السيادي والوزاري مشغولة بقضايا كثيرة وشائكة، وقد لا تكون مهمومة بدرجة كافية بملف سد النهضة، وقد لا تكون لها الدراية الكافية بهذا الملف، فعلي السودانيين الفاعلين جميعا أن ينشطوا في هذا الملف، وأن يعملوا علي نزع أي فتيل يمكن أن يشعل الأزمة، ثم العمل بعد ذلك علي رد مفاوضات  سد النهضة إلي مسارها الصحيح، ويعود السودان في هذا الملف طرفا أصيلا، لا تابعا ينتظر ما يفعله الآخرون ثم يحدد مع من تكون وقفته.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق