الثلاثاء, 05 نوفمبر 2019 00:50 مساءً 0 433 0
الإقليمية اللامركزية الجديدة بديلاً للنظام المتوالي في السودان
الإقليمية اللامركزية الجديدة بديلاً للنظام المتوالي في السودان

بقلم : أ. د. السر النقر أحمد
دكتوراه الإدارة بالجودة الشاملة في مؤسسات الحكم اللامركزي في السودان وتطبيقاتها
مركز الخبراء الوطنيين للتنمية الإدارية
0918067145  

السودان ظل يتعثر ويتأرجح فيما يختص بكيفية التطبيق العملي لنظام الحكم الاتحادي، وأصبح الحكم اللامركزي نفسه مشكلة للقائمين بالأمر، وانحصر العمل في إسكات المستوعبين من حملة البندقية، إلا أن الشعب صاحب الأمر لم يعرف ولم يتذوق ماهية النظام الاتحادي (الفدرالي) وأصبح المركز هو الناهي والآمر، سواء كان على مستوى الخرطوم أو على مستوى الولاية، وأصبحت المحليات الكائنة الآن ذات وجود صوري أو هي (مبانٍ بلا معانٍ) وبالأمس في الثمانينيات نتيجة للمركزية القابضة سقطت نظرية النظام (المتوالي) التي أنشأها الدكتور (جعفر بخيت) لإمعانها في المركزية القابضة بواسطة مجلس تنفيذي (المديرية) وكان أول مظهر لسقوطها إصدار قانون 1981م لمجالس المناطق وتنزيل السلطة لمجالس المدن والأرياف وأثناء حكم النظام المايوي 1969 – 1985م وأصبحت نظرية النظام (المتوازي) بعد فشل نظرية النظام (المتوالي) هي الأمل المرتجى لإصلاح وترميم العلاقة بين المركز والمحليات، وإذا كان بالأمس يعتبر المستوى المركزي للحكم المحلي هو الخرطوم فالمستوى المركزي للحكم المحلي اليوم هو الولاية أو الإقليم وليس الخرطوم نتيجة للتطور في فلسفة النظام اللامركزي، وقد حسم مؤتمر العلاقة بين الإدارة المركزية والمحلية المنعقد في (بيروت) عاصمة (لبنان) عام 2003م بواسطة منظمة (المدن العربية) الصراع لمصلحة نظرية النظام (المتوازي) للدكتور (مارشال) وأصبحت العلاقة بين المستويين (المحلي والمركزي) تقوم على التكامل وليس التنافر، وقد كان لي شرف تمثيل السودان مع آخرين بورقة علمية محكمة حول منظور فلسفي، هذه الورقة موجودة الآن في (النت) وما نحتاجه الآن هو إعادة النظر في حكم الولايات لارتفاع تكلفته والتفكير في الرجوع إلى حكم الأقاليم، وإذا كان هنالك من يفكر في زيادة الولايات الراهنة وتقسيم الخرطوم إلى ثلاثة ولايات فهذا رأي جانبه الصواب وليس مفيدًا في الظروف الاقتصادية الحالية، والأوفق أن نفكر في تطبيق الإقليمية اللامركزية الجديدة بديلًا للنظام المتوالي في السودان ويكفي لتخفيف العبء على الوالي في الخرطوم أن يكون هنالك محافظ واحد بكل من أم درمان والخرطوم وشرق النيل وبحري تجاوزًا لزحمة السكان وتمدد أحياء مدينة الخرطوم من الوافدين والموالين الجدد، يقوم هؤلاء المحافظون بمساعدة الوالي من خلال تفويض السلطات وتنزيلها من الوزارات إلى المحليات، بجانب وجود قيادات شعبية منتخبة تكون هي صاحبة السلطة الحقيقية في كل مستوى وجهاز تنفيذي مدرب على رأسه (مدير تنفيذي) من أصحاب المقدرات الإدارية، والمحافظ بهذه الصفة هو مسؤول التنسيق والمتابعة والتنمية والأمن، علمًا أن المدن الثلاث متداخلة ومترابطة يصعب تفتيتها وتمزيقها لتصبح ثلاث ولايات لمن يقولون بذلك بدلًا من ولاية واحدة ووالٍ واحد، وفي إطار هذا الفهم يتم الدعم الكامل من المركز للوالي والولاية باعتبارها مدينة الجميع والولاية المستوعبة لكل الوافدين والمهاجرين.
أما الحكم اللامركزي الماثل الآن فساعد على تكريس القبلية والجهوية بدافع الحصول على المناصب الدستورية  والوظائف التنفيذية في مجال الخدمة العامة، كما أن الحكم اللامركزي اختزل الأنشطة في تحصيل الجبايات والتعبئة السياسية وضبط الأمن ولم يهتم بالتنمية وتجويد الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات وتيسير معاش المواطنين وتطوير حياتهم، كما أن الحكومة الاتحادية يجب أن تساهم وتساعد في دعم التنمية والخدمات بولاية الخرطوم.
أنا أنادي بالرجوع إلى تقسيم السودان من جديد إلى أقاليم، وأرى أن النظام الإقليمي نظام حكم لا مركزي يقلل الصرف ويحقق التنمية ويوفر المشاركة لأبناء الإقليم الواسعة ويقلل النزاعات، وأعتقد أن الواقع المعاش اليوم يمهد لقيام (الإقليمية اللامركزية الجديدة) وتأسيسها أكثر مما كان في التجربة (المايوية) وذلك لانتشار المواصلات المختلفة وهيمنة (الجوال) وغيره من وسائل الاتصال الناجزة، يضاف إلى ذلك انتشار الطرق المسفلته التي تربط بين أجزاء الإقليم الواحد وتتعداه إلى الأقاليم الأخرى وانتشار الجامعات والكليات في الأقاليم القريبة والبعيدة؛ ولهذا أرى أنه من الأجدى للسودان في وضعه الاقتصادي الراهن أن يؤسس للإقليمية اللامركزية الجديدة ويصرف النظر عن نظام الولايات وحكمها لتكلفته الباهظة، وإذا تعذر ذلك يجب أن نفكر في نظام (كونفدرالي) ليستوعب في وطن واحد كل الثقافات المتباينة في السودان ويحقق الطموحات المشروعة.
وفي إطار ذلك يمكن أن أوجز هيكلة النظام الإقليمي المقترح وفقًا للتصور الآتي:
1/ الإقليم الشمالي والبحر الأحمر ونهر النيل.
2/ إقليم الجزيرة والقضارف وكسلا.
3/ إقليم النيل الأبيض والأزرق وسنار.
4/ إقليم كردفان بوضعه الراهن.
5/ إقليم دارفور بوضعه الراهن.
6/ إقليم الخرطوم ويدار بقانون خاص.
 هذه الهيكلة المقترحة تختصر التكاليف المادية الباهظة وتستغني عن العديد من الأجهزة التشريعية والتنفيذية، ويلاحظ أن البعض منها مربوط بالشوارع المسفلته المؤدية للولاية الأخرى، ويعني ذلك أن مشكلة المواصلات المعروفة تاريخيًا والموروثة أصبحت نسيًا منسيًا.
يدفعنا للإدلاء بهذا الرأي أن الشعب أصبح يصرف على الحكومة وأجهزتها السياسية والتنفيذية، ونأخذ مثالًا لذلك أن هنالك قرابة الثلاثمائة معتمد (وزير دولة) ومئات الوزراء والوكلاء والمستشارين وأعداد كبيرة من العقارات المؤجرة  للوزارات والمؤسسات، بجانب قرابة العشرين ولاية ومجلس ولاية والعشرات من الدستوريين في كل ولاية، بجانب أنشطة ومجالس محلية لا وجود لها ولا يسعى المسؤولون لتفعيلها ومعالجة آفاتها وأمراضها.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق