الثلاثاء, 03 ديسمبر 2019 01:20 مساءً 0 276 0
خبير في القانون الدولي يقرأ الأحداث السياسية بشفافية عالية
خبير في القانون الدولي يقرأ الأحداث السياسية بشفافية عالية

السفير الصادق المقلي لـ(أخبار اليوم):

وفق هذه المادة من ميثاق روما يمكن للسودان أن يحاكم الرئيس المخلوع بموجب قانون العقوبات والقانون الجنائي الوطني

ظلت موضوعات مثل وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب تمثل نقطة انطلاق فهم العالم الخارجي لنا، فهل تصلح هذه المسألة لتكون سبباً لمعاقبة السودان اقتصادياً ومحاربته في اقتصاده المتعثر والذي ازداد تعثراً، هل كانت هذه المسألة هي أس البلاء الذي لازمنا طويلاً أم ماذا؟
الكثير من المحاور المهمة وضعناها في منضدة خبير في القانون الدولي يقرأ بشكل أكثر وضوحاً وصدقاً ما يحدث في عالمنا الآن، السفير الصاق المقلي يقرأ لنا سفر التحولات السياسية وتأثيره على القطاع الاقتصادي وغيرها.

هذه الدول ترى أن المحكمة الجنائية استهداف لها ويأخذون عليها ازدواجية المعايير

حوار/ ماجدة عدلان

* مرحباً بسعادة السفير الصادق المقلي ونبدأ الحوار من حيث انتهت الأحداث المحكمة الجنائية الدولية وهل السودان ملزم بتسليم مجرمي الحرب لهذه المحكمة؟
هنالك أربع جرائم تحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية: جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم المذابح، جريمة العدوان، وقد دار جدل عقيم حول تعريف الأخيرة بتماطل وتلكؤ من الولايات المتحدة الأمريكية حماية لإسرائيل، بحيث لا يعد العدوان الصهيوني على فلسطين ضمن تعريف ميثاق روما لجريمة العدوان، الأمر الذي حال دون مساءلة إسرائيل أمام الجنائية، بجانب استعمال أمريكا لحق النقض الفيتو لمنع تمرير أي قرار من مجلس الأمن بحق إسرائيل.
أضف إلى ذلك أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية اختصاص تكاملي، بمعنى أنه مكمل للقانون الوطني بحيث لا ولاية للمحكمة إلا في حالة تأكدها من أن القضاء الوطني غير قادر وغير راغب، وفق هذه المادة من ميثاق روما يمكن للسودان أن يحاكم البشير بموجب قانون العقوبات والقانون الجنائي الوطني، وهذا بالفعل ما ذكرته السيدة فانو في بيانها الأخير أمام مجلس الأمن، حيث ذكرت أن الفرصة متاحة للنظام الجديد في السودان لمحاكمة البشير وطنياً بجرائم الحرب في دارفور.
وما ذكره الجزولي غير صحيح البتة لأن ميثاق روما يمنح الولاية لمجلس الأمن لإحالة أي مسؤول أو شخص ارتكب هذه الجرائم المنصوص عليها في ميثاق روما عام 1998م فيما يتعلق بالدول التي لم تصادق على الميثاق مثل السودان وإسرائيل وغيرهما، وبالتالي السودان ملزم بصفته عضواً في الأمم المتحدة بتسليم أي مسؤول أو شخص ارتكب الجرائم آنفة الذكر للمحكمة الجنائية في حالة ثبوت أن الدولة المعنية غير قادرة وغير راغبة كما أوضحت من قبل.
وإذا عجزت الدولة أو امتنعت عن محاكمة البشير وفق قوانينها الوطنية فالحكومة ملزمة بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
الجدير بالذكر أن السودان كان من بين الدول المتحمسة للتوقيع على ميثاق روما، وقد عقدت عدة ندوات في هذا الصدد، وما يجدر ذكره أيضًا أن وفد السودان للمؤتمر العام في روما عام 1976 صوت لصالح ميثاق روما في آخر اجتماع، والأخ وزير العدل محمد عثمان يس هو من ألقى خطاب المجموعة بمولد المحكمة الجنائية الدولية، وقد وقع السودان لاحقاً على الميثاق إلا أنه سحب توقيعه بعد أن وقع الفأس في الرأس قبل المصادقة عليه، ولما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت غير موقعة وغير مصادقة، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين سبع دول لم تصوت أصلًا على ميثاق روما عند إجازته من 120 دولة عام 1998م ومن بينها قطر وإسرائيل؛ لذا ولاية واختصاص المحكمة الجنائية على السودان لا تحتاج لتوقيع أو مصادقة من قبل الحكومة الانتقالية أو ما يليها من حكومات أخرى كما ذهب الجزولي في تصريحه لروسيا اليوم.
فقط يتحتم على الحكومة أن تثبت أن القضاء السوداني قادر وراغب ويمكن أن يحاكم الرئيس المخلوع أمام المحاكم السودانية.
* لماذا لم تسلم دول مثل كينيا وجنوب إفريقيا الرئيس المخلوع إبان زيارته لها، وهل هذه الدول موقعة ومصادقة على قرارات المحكمة؟
لم تسلم هذه الدول البشير التزاماً منها بقرارات الاتحاد الإفريقي بعدم تسليم أي رئيس دولة إفريقية للاهاي؛ فالأفارقة يرون في المحكمة استهدافاً لهم دون الدول الأخرى، ويأخذون عليها ازدواجية المعايير، فهنالك عدد من الدول في العالم وعلى رأسها إسرائيل تنتهك بصورة مبهمة القانون الدولي الإنساني في فلسطين وحتى الولايات المتحدة الأمريكية متهمة بجريمة العدوان خاصة على العراق بتهمة ملفقة تتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية زورًا وبهتانًا، وجريمة العدوان هي إحدى الجرائم الأربع التي تقع تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي التي عرقلت الإسراع في تعريف جريمة العدوان حرصاً على حماية ربيبتها إسرائيل وعدوانها الصارخ على فلسطين.
* ربما تشكل مسألة ترسيم الحدود أهمية قصوى خاصة أن بعض الدول لديها تدخلات قبلية ونزاعات واضحة مثل ليبيا وتشاد ومصر وغيرها؟
ترسيم الحدود ليس بالقضية الملحة بالنسبة لحكومة حمدوك ويمكن معالجتها حال التوصل إلى حل المشكلات الملحة وهي معايش الناس وقضية الحرب والسلام والعزلة الدولية وعلى رأسها وجود السودان ضمن الدول المتهمة برعاية الإرهاب.
* ربما يتساءل المراقب عن التطورات السياسية التي صاحبت الحكومة الانتقالية لكن المواطن يشكو من بطء إجراءات معالجة الأوضاع الاقتصادية المنهارة؟
الاقتصاد السوداني إصلاحه وانتعاشه ليس بالأشخاص والكفاءات فقط وإلا لكنا في عهد الإنقاذ مثل ماليزيا، هنالك ثلاثة عوامل أساسية من بين أخرى هي التي أقعدت باقتصادنا في عهد الإنقاذ وكلاهما توأمان سياميان الحروب الأهلية التي كانت من إفرازاتها السلبية محاصرة السودان دولياً وإقليمياً وتعريضه لعقوبات دولية جعلته بين مطرقة مجلس الأمن الذي أصدر قراره تحت الفصل السابع وسندان مفوضية حقوق الإنسان حيث ظل السودان يتقلب بين بنودها من العاشر والتاسع إبان المفوضية وبين الرابع والعاشر كما هو الحال حالياً بعد أن تحولت المفوضية إلى مجلس حقوق الإنسان، وبالتالي بات السودان تحت رحمة المجتمع الدولي وتعاقبت عليه القوات الأممية يوناميد حالياً في دارفور، بل إن قضية دارفور هي التي كانت وراء إخضاع الرئيس المخلوع للعدالة الجنائية الدولية في لاهاي وغيره من سياسيي الإنقاذ، كما حرم السودان من العون التنموي من الدول الغربية والصناعية خاصة الاتحاد الأوروبي حيث ظل نصيب السودان من العون التنموي المقدم من الاتحاد الأوروبي في إطار الشراكة بينه وبين ما عرف بمنظومة ACPEU أي أوروبا ومجموعة الدول الإفريقية الكاريبية الباسيفيكية وما عرف باتفاقية لومي سابقاً وما بعدها كوتونو، وظل هذا الحظر  التنموي الذي ربما فاق المليار دولار حبيس الإدراج في بروكسل بسبب الحصار الدولي على السودان.
الشق الثاني من هذا الحصار الاقتصادي ولعله الأهم هو العقوبات الاقتصادية الأحادية وإدراج السودان ضمن الدول الرعاية للإرهاب وهذه كانت أس الداء في الاقتصاد السوداني إذ أضحى خارج المنظومة المصرفية العالمية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصناديق الدولية والإقليمية القارضة والمانحة بما في ذلك بكل أسف صندوق التنمية الإفريقي، ونحن أعضاء في كافة هذه المؤسسات النقدية وبالتالي حرم السودان من تدفق العون التنموي ومن التحويلات من قبل البنوك العالمية ومن فرض الاستثمار من الشركات العالمية متعددة الجنسيات.
ولعل الأخ د. حمدوك في أول تصريح له بعد أداء القسم وفي أول حوار إعلامي له قد فطن تماماً إلى الربط بين السلام والاقتصاد، ولعل ذلك أيضاً ما حدا بطرفي النزاع أن يولوا قضية السلام والحرب الأولوية القصوى في الفترة الانتقالية، ولعل العبور من هذا النفق المظلم لابد أن تتوافر له الإرادة السياسية والحس الوطني لدى حاملي السلاح سيما أن سقوط نظام الإنقاذ قد وفر الحاضنة لهذه الإرادة السياسية وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية الضيقة.
إضافة إلى ترهل المؤسسات وتفاقم الإنفاق الحكومي والكم الهائل من الشركات الحكومية وشبه الحكومية التي تعمل بمعزل عن النظام الضرائبي وولاية المالية على المال العام، شركة واحدة فقط من هذه الشركات التي تفوق الأربعمائة شركة على وجه التقريب بلغ تهربها من الضرائب كما صرحت الجهة المختصة أكثر من ثلاثمائة مليار بالقديم، بل إن أحد رجال الأعمال وهو بكل أسف نائب في البرلمان دفع تسوية قدرت بخمسين مليون دولار وآخر بلغت تسويته مائة وخمسين مليار جنيه، ولعل المرء يحتاج لجهاز حاسوب كي يتوصل لأصول هذه الأرقام الفلكية، هذه الممارسات السيئة والمسيئة لسمعة البلاد هي أهم معالم الفساد الذي ظل طيلة سني الإنقاذ هو العملة السائدة، فليس من سبيل لتعافي الاقتصاد السوداني من غير وضع حد للحروب الأهلية التي كانت وراء هذا الحصار الاقتصادي الدولي والإقليمي وخروج السودان تماماً من المنظومة المصرفية العالمية وعرقلة تدفق رؤوس الأموال العالمية وضمور الاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلاً عن تراكم الدين الخارجي وبالتالي انحسار الإنتاج والإنتاجية وعجز ميزان المدفوعات التي فاقت ستة مليارات دولار.
خلاصة الأمر أن د. حمدوك وتيمه لا يملكون عصا سحرية، فليمضوا قدماً في التوصل إلى سلام مستدام يعود من خلاله الإخوة حاملي السلاح إلى حضن الوطن ويعود أهلنا الطيبون من النازحين واللاجئين إلى ديارهم وحواكيرهم، ولابد من المضي قدماً في اجتثاث ظاهرة الفساد وتقديم المفسدين لمحاكم عادلة وإزالة كافة التشوهات في الاقتصاد السوداني ومراجعة هذه الشركات الحكومية وشبه الحكومية والتابعة لمؤسسات نظام الإنقاذ ومن سماهم البشير بالقطط السمان ووضع حد للحروب الأهلية ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين حتى الذين أفلحوا في الإفلات من العقاب بآلية التسويات وفق (خلوها مستورة) وبدعة التحلل، فضلاً عن انتهاج سياسة خارجية متوازنة تراعي المصلحة القومية بعيداً عن التمحور الذي لم تجن منه البلاد بترول الخليج ولا عنب اليمن.
* مسألة تجارة البشر ومشكلاتها وكيفية محاربتها خاصة أنها تحتاج إلى دعم دولي مباشر؟
مسألة تجارة البشر السودان قد تعاون فيها كثيراً مع المجتمع الدولي من خلال المراقبة الجيدة لحدوده خاصة مع ليبيا وتشاد.
ولعل الدعم السريع لعب دوراً إيجابياً على الحدود وحد كثيراً من ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود. وقد أشاد المجتمع الدولي خاصة الاتحاد الأوروبي بجهود السودان في هذا المجال.
شكراً سعادة السفير الصادق المقلي.
شكراً لك أستاذة ماجدة عدلان.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق