الخميس, 13 فبراير 2020 02:01 مساءً 0 451 0
مقال
مقال

جيهان فوزي

صفقة إسرائيل.. وصفعة "عباس"

خطابات عدة ألقاها الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى الأمم المتحدة سواء الجمعية العامة أو مجلس الأمن، كانت مناسباتها لا تقل أهمية عما يحدث الآن، لكن هذه المرة الوضع مختلف، وهناك محاولات حثيثة لإقناع المجتمع الدولى، لتقنين «صفقة القرن» التى طبختها الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة إسرائيل، لذا فإن خطاب «عباس» فى جلسة مجلس الأمن يوم الثلاثاء لإصدار مشروع قرار لرفض صفقة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام فى الشرق الأوسط، كان مختلفاً، وإن كان حجم التوقعات من هذا الخطاب توازى حجم الحدث، رغم الشائعات التى خرجت مشككة، بسبب تقارير تفيد بسحب مشروع القرار، ولم تكن سوى حرب نفسية تمارس على الفلسطينيين، وإلا لماذا أكدت مصادر دبلوماسية غربية أن الفلسطينيين سحبوا طلب التصويت على مشروع القرار بشأن الخطة المعروفة إعلامياً باسم «صفقة القرن»، المقرر طرحه أمام مجلس الأمن؟
خطاب الرئيس «أبومازن» فى مجلس الأمن نفى الشائعات، وحملت تفاصيله الرفض الواضح للصفقة غير آبه بالضغوطات التى مورست عليه، مؤكداً أن السلام الحقيقى لا يأتى بالضم أو بالإخضاع وإنما بالتراضى، ووضح كيف أن الصفقة تقضى على حلم الدولة الفلسطينية ذات السيادة بالوثائق والخرائط، ودحض بالدلائل ما يشاع بأن الفلسطينيين يتفننون فى إضاعة الفرص لحل القضية الفلسطينية، لكنه عاد وأكد مبدأه، الذى طالما كان محل جدل فلسطينى، حين قال «مهما كانت العلاقة مع إسرائيل فلن نستخدم العنف أبداً وسنواصل المقاومة الشعبية السلمية!»، فى الوقت الذى قال فيه الشعب الفلسطينى كلمته وحدد خياراته بعيداً عن تمنيات رئيسه، حيث أكد استطلاع للرأى أن ثلثى الشعب الفلسطينى يؤيد العمل المسلح رداً على صفقة ترامب. وعلقت أحزاب كالجهاد الإسلامى على الخطاب بأنه لم يأت بجديد وأن الرئيس عباس ما لم يغادر سياق المفاوضات التى يطالب بها، والشراكة مع إسرائيل ويوقف الخدمات الأمنية ويبحث عن الوحدة الداخلية، فإنه سيبقى يدور فى متاهة ليس لها مخرج.
لقد حافظ الرئيس «عباس» لآخر لحظة على شعرة معاوية حين وجه كلامه للإسرائيليين بمد يده للسلام حتى النهاية، لكن هذا السلام لم يعد يُجدى نفعاً، خاصة أن المؤيدين للصفقة فى إسرائيل أغلبية رغم معارضة البعض، وأن الشريك الإسرائيلى الذى يبحث عنه الرئيس الفلسطينى ليس له وجود، وحان الوقت لتغيير استراتيجية عباس ونظرته للسلام مع إسرائيل وفق المعطيات الموجودة على أرض الواقع، والدليل خطاب مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة «دانى دانون» الذى شكك فى صدق نوايا عباس فيما يقوله، وإلا لكان ذهب إلى القدس أو واشنطن بدلاً من الأمم المتحدة للبحث فى الصفقة والتفاوض حولها، مثلما فعل من قبله الرئيس السادات الذى توصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل عبر التفاوض، والأردن الذى توصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بعدها بعامين، ولم يكتف بذلك بل قال للصحفيين، قبل دقائق من بدء جلسة مجلس الأمن، إنه لا يمكن التوصل للسلام مع الفلسطينيين طالما بقى «عباس» فى منصبه.
يفهم من كلام مندوب إسرائيل أن الرئيس «عباس» بالنسبة لهم بات غير مجدٍ، ولا يحقق مصالحهم وتجب إزاحته، مثل ما فعلوا مع الرئيس الراحل ياسر عرفات حين أزاحوه من المشهد السياسى عام 2004 لأنه أصبح يشكل خطراً على مخططاتهم وحجر عثرة فى طريق تحقيقها، وهى اللغة التى تفهمها إسرائيل مع كل زعيم لا يتسق مع مخططاتها ولا يخضع لرغباتها، ومن الواضح أن سياسة إسرائيل لا تقبل الرفض، فمن ليس معها فهو ضدها وتجب إزاحته والبحث عن بديل. والسؤال: كيف يسمح المجتمع الدولى أن تقال مثل تلك العبارات عن رئيس دولة منتخب؟، فالعبارات التى قالها مندوب إسرائيل هى التى قيلت فى المراحل الأخيرة لحياة الرئيس الشهيد ياسر عرفات. وإذا كان التلميح عن ضرورة إيجاد من يحل مكان الرئيس «عباس» ويوافق على خطة «ترامب» والتفاوض مع إسرائيل على أساسها، فإن الرد الفلسطينى متواصل ومستمر برفض «صفقة القرن» بكل الأشكال، وعلى المجتمع الدولى أن يتحمل مسئولياته، وإذا لم تنجح الشرعية الدولية فى الحفاظ على الحقوق الفلسطينية من التغول الأمريكى - الإسرائيلى، فإن البديل هو الفوضى التى تتحمل مسئوليتها أمريكا وإسرائيل فقط.
عن الوطن المصرية

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق