الخميس, 13 فبراير 2020 02:07 مساءً 0 617 0
القضاء خط أحمر
القضاء خط أحمر

مقطع صوتي منتشر في وسائط التداول الاجتماعي (الواتساب)، منسوب لرئيسة القضاء وهي تتحدث فيه وبكل أسف عن فساد السلطة القضائية إبان فترة الثلاثين من يونيو 1989م، وحقائق فساد السلطة القضائية بلسان رئيسة القضاء مولانا نعمات عبدالله، وأسفي هنا للإخوة القضاة الشرفاء العدول، وأملي أن تنحو الأجهزة الأخرى العدلية من أجهزة الدولة في إنفاذ القانون منحى رئيسة القضاء الشجاع والمسؤول.   
صدقوني من إحصائية قضايا طعون إدارية أتولاها، تقدمت بها في استعلام لرئيسة القضاء، إزاء ذلك، الآن ترسخت قناعتي في سبب سوء أداء قضاة محكمة الطعون الإدارية، وسبب تراكم القضايا سنوات عديدة لنحو سبع سنوات وما دون ذلك، وبالتالي، لا فهم عندي سوى عزوف قضاة محكمة الطعون الإدارية عن العمل، ويقين إدراكي وقناعتي هذه ترسخت من شكوى رئيسة القضاء، لأنه خلال مسيرة عملي محامٍ في العديد من قضايا الطعون الإدارية المرفوعة من ضباط شرطة وضباط من القوات المسلحة، تمت إحالتهم للتقاعد لأسباب لم تكن واقعية ومقبولة من القانون، وكذلك قضايا أخرى متعلقة بترتيب وضعية أقدميات ضباط القوات المسلحة في الخدمة، وقضايا أخرى نوعية متعلقة بالتعليم العالي في الدراسات العليا لمنح درجة الدكتوراه في العلوم، وقضايا أخرى متعلقة بمنح أراضٍ وتحويلها من زراعية إلى سكنية، وقضايا أخرى خاصة بوضعية الجنسية السودانية لفئات من طالبي الجنسية السودانية بفعل فصل جنوب السودان عن الدولة الأم، وآخرون بفعل الشك في الحصول على الجنسية السودانية، وقضايا خاصة بالشراء والتعاقد عن طريق العطاءات بوزارة الداخلية.
من خلال هذه القضايا، لاحظت نقل قضاة استئناف للمحكمة العليا بسلطات قاضي محكمة عليا في محكمة الطعون الإدارية المختصة في المحكمة العليا للفصل في الطعون الإدارية التي يكون المطعون ضده هو رئيس الجمهورية أو وزير اتحادي، وكذلك نقل قضاة محكمة عامة بسلطات استئناف في محكمة الطعون الإدارية المختصة في محكمة الاستئناف للفصل في الطعون الإدارية التي يكون طرفها المطعون ضده والي ولاية أو وزيراً ولائياً أو أي سلطة عامة أخرى، كما لاحظت أن معظم هؤلاء القضاة إما متنافسون في الترقي، أو متنافسون في فرص الإعارة للخارج، أو الندب الداخلي، ومن متابعتي الأكاديمية واهتمامي العملي بقضاء السلطة وأجهزة إنفاذ القانون، ولحداثة فكرة القضاء الإداري في السودان كقضاء نوعي متخصص، يلاحظ ضعف المنهج التعليمي في كليات القانون في التعليم الجامعي بتدريس مواد علمية متعلقة بالقضاء الإداري في علم التشريع والإدارة والسلطة في العلوم السياسية، وبالتالي، ضعف التدريب والتأهيل القضائي للقضاة، ولذلك، يلاحظ تقدير قدرات معظم قضاة محاكم الطعون الإدارية بالضعف، وبرأي، تردي حال القضاء الإداري في السودان أمر مقصود ومدبر ومخطط له، لضمان أن لا تصدر أحكام قضائية ضد الدولة لمصلحة الطاعنين، لعلم قضاة الطعون الإدارية أن مسألة نقلهم أو إبقائهم في مواقعهم في محكمة الطعون الإدارية، مرتبط بالترقي أو الإعارة أو الندب خارج السلطة القضائية، وأن مسألة ترقيتهم أو إعارتهم وانتدابهم رهين بشكل الأحكام التي تصدر منهم ضد الطاعنين تجييراً لمصلحة الحكومة. صدقوني الأحكام الصادرة من محكمة الطعون الإدارية، غالبيتها أحكام قاتلة ومميتة، والحال أسوأ بكثير في أحكام المحكمة الدستورية، لاستقلاليتها الشكلية من السلطة التنفيذية، وبالتالي، طغيان السلطة التنفيذية على المحكمة الدستورية، لدرجة أن قاضية محكمة عليا علقت ذات مرة أن قضاة محكمة الطعون الإدارية عند إصدارهم الأحكام القضائية، لا يصدرون الأحكام كقضاة، إنما يصدرون الأحكام كأنهم تابعين للجهة الإدارية المطعون ضدها، وحقيقة الأمر خلال العهد البائد المقتلع أن أحكام المحكمة الدستورية ومحكمة الطعون الإدارية ـ كقضاء رقابي على أجهزة سلطة الدولة والسلطات العامة ـ تفتقدان للكثير من سمات وصفات قواعد العدل والإنصاف، ولذلك يلاحظ من المقطع الصوتي المتداول شكوى رئيسة القضاء من أداء قضاة محكمة الطعون الإدارية.
أمر أخير، مسألة منح القاضي سلطة درجة أعلى لم يتم الترقي لها بقرار من رأس الدولة، هو عمل وإجراء مخالف للدستور والقانون، لأن القاضي يتولى وظيفة القضاء بقرار يصدر من رأس الدولة، أما أن يصدر أمر من رئيس القضاء بأن يمنح القاضي سلطة محكمة أعلى لم يترق لها أو يعين فيها، فهذا بدعة وتدبير مخالف للدستور والقانون، وكذا الحال بالنسبة لتولي ومباشرة وظيفة القضاء لبعض القضاة في المعاش المعينين مشاهرة بعقود خدمة خاصة بموافقة رئيس القضاء، لأن تولي وظيفة القضاء في التعيين والترقي من أعمال رأس الدولة، ويكون بقرار يصدر من رأس الدولة بتعيين القاضي أو ترقيته للدرجة الأعلى، فلا تصح الأحكام التي تصدر في القضايا المنظورة أمام هذه الفئات من القضاة، لانعدام صفة القاضي المعين بعقد خاص، أو القاضي الذي يباشر سلطة محكمة أعلى، ولم تتم ترقيته فيها، أو القاضي المتقاعد في المعاش الذي لم يصدر قرار بتعيينه قاضٍ بقرار من رأس الدولة وفقاً لأحكام الدستور والقانون.
وظيفة القضاء ليست بالأمر والشيء الهين، فهي من أخطر وظائف الدولة، ووظيفة القضاء في الدول المتقدمة والمتحضرة، لا تعرف للقاضي سن تقاعد في المعاش، أو أن يكون للقاضي راتب شهري محدد، وطالما أن القاضي يأنس في نفسه سلامة القدرة الجسمانية الصحية والعقلية والمهنية، فلا يجوز إعفاؤه من الخدمة بإحالته للتقاعد في المعاش، إنما يظل القاضي في عمله قاضياً، وإن كان يجوز إخضاع القاضي للكشف الطبي الدوري لتقرير وتحديد صلاحيته الصحية والعقلية، وفي الدول التي ترفع شأن القضاء، يكون للقاضي راتب مفتوح بما يكفيه العيش الكريم، وتتحمل الدولة كل احتياجاته الشهرية لينصرف القاضي لأعباء عمله بكل تجرد ونكران ذات، بعيداً عن أي مؤثرات تؤثر في عمله، لأن العدل أساس الحكم.
لواء شرطة (حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
المحامي واستشاري القانون المحكم والموثق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق