الثلاثاء, 25 فبراير 2020 04:36 مساءً 0 260 0
همس الخواطر
همس الخواطر

د. فاطمة عبدالله

مسارات متقاطعة (١)
عندما أتت أم الحسن إلى الخرطوم لدراسة الجامعة كانت تحمل معها شيئان، وصايا والدها ، وطموح كبير ..والدها كان معترضا على دراستها في الخرطوم ...كان يفضل لها جامعة أقرب لمكان سكنها وبيئتها ، ولكن أم الحسن أصرت أنها لن تدرس إلا في جامعة السودان الأولى .
أم الحسن زهرة ندية أدرك والدها قسم الله منذ سنين تفتحها الأولى أن في البنت شيئا مميزا ، هبة من الرحمن ، فما كان في بيئتها شيئا يجعلها تختلف عن قريناتها .. ولكن الفتاة أحبت العلم وتعلقت به وكانت تقطع عدة كيلومترات على حمار والدها وصولا إلى أقرب مدرسة دون ملل أو كلل ، والدها قسم الله الذي تلقى قدرا من التعليم تفهم حب إبنته للتعلم ووفر لها قدر ما يستطيعه باهتمام شديد .. رغم تهكم أمها وجدتها من فائدة التعلم لفتاة مصيرها الحتمي الزواج والجلوس بالبيت . في بيئة تعتبر التعليم ليس قدرا من أقدارها ..
قسم الله هو الوحيد الذي كان يفهم إبنته ، وسبب ذلك هو عيشه لنفس التجربة التي زكاها عيشه في المدينة لبعض الوقت أثناء دراسته الثانوية التي قطعها بناء على رغبة والده رغم إحتجاج مدرسته التي كانت ترى له مستقبلا باهرا أكده تفوقه الدراسي ..
أم الحسن كانت شديدة التعلق بوالدها ، وكانت تعلم أنه العقل الوحيد الذي يستطيع فهمها ، ويقدر إمكانياتها وأحلامها ، ومصدر الدعم الوحيد الذي سيتصدى للعقبات التي ستواجهها مستقبلا بشأن إكمال تعليمها .
إنكباب الفتاة على كتبها ودراستها كان مثار سخط من والدتها التي تريد مساعدتها في أعمال البيت باعتبارها أكبر إخوتها ، وتبرم جدتها التي تريد مساعدتها في جمع الحطب وحلب الأغنام ، فقبيلة ام الحسن البدوية كان الرعي والحيوان مصدر دخلها الأهم .. ولكن الفتاة كانت تحاول قدر الإمكان التوفيق بين دراستها وإرضاء أمها وجدتها خوفا من أن يتسببا في إخراجها من المدرسة ، ورغم وجود والدها بجوارها حاميا ومشجعا فقد كان لجدتها سطوة كبيرة على رجال العائلة لذا اجتهدت الفتاة على عدم اغضابها ، حتى تضمن استمرارها على مقاعد الدراسة .
أم الحسن كانت تذهب أحيانا برفقة والدها إلى المدينة ، خاصة قبل الأعياد ، وكانت تبهرها حركة المدينة الصغيرة الصاخبة جدا بالنسبة إليها مقارنة بباديتها الهادئة ، كانت تنتظر هذه الزيارات المتباعدة بشغف كبير ، تجول برأسها الصغير هنا وهناك ، تبهرها مناظر ، وتحيرها أشياء ، قابضة بقوة على يد والدها خوفا من الضياع بين زحام البشر والسيارات .
المدينة بالنسبة للفتاة كان عالم غامض ومربك ومثير يتقاذفها بخيالات وأسئلة دون إجابة ، تدهشها رؤية فتيات في مثل سنها بمظهر مختلف ، كأنهن أتين من عالم الخيال .. وتتساءل عن سر الإختلاف.. تعود الفتاة بإنبهار وحكايا لا تنقضي مع جدتها وأمها وصويحباتها .. وهي تحكي تفاصيل رحلة كأنها إلى السماء ..
اصطحاب الفتاة إلى المدينة كان سببه نظرة قسم الله لمستقبل الفتاة الواعد .. كان يريد للفتاة اندماجا تدريجيا لبيئة ومجتمع كانت ستنتقل إليه عند دراستها الثانوية ، ولم يرد لها أن تضيع فيه أو تنفر منه ، بل أراد لها نقلة تدريجية آمنة يخلقها تعود يذهب معه الإندهاش ..
نواصل ..

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق