الثلاثاء, 17 مارس 2020 02:54 مساءً 0 362 0
الإمام الصادق المهدي: شاركنا في فشل “الانتقالية” ولدينا “صبّة” لمعالجة إخفاقاتها
الإمام الصادق المهدي: شاركنا في فشل “الانتقالية” ولدينا “صبّة” لمعالجة إخفاقاتها

أنا لم ادع إلى انتخابات مبكّرة، من يقولون ذلك يتكلمون بلغة أبي نواس: ولكن قال ويل للمـصلينا

أجراه: د. حسين حسن حسين

ما تداعيات محاولة اغتيال رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك وتأثيراتها في واقعنا السياسي؟
في أي حدث من مثل هذا النوع، يسأل المرء سؤالين، الأول: ما الدوافع؟ ومن المستفيدون؟ لنرى على ضوء ذلك الاتهام العام.
بالنسبة إلى الدوافع، هناك أناس غاضبون من الوضع الحالي، توجد شحنة غضب، فمن هم المعبأون بشحنة غضب؟ من هم المستفيدون من فشل المرحلة الانتقالية؟ الإجابة عن السؤالين تصنف الاتهام، حتى تأتي التفاصيل تبيّن الحقائق.
هنا توجد مسؤولية، مسؤولية القيادة المعنية بالفترة الانتقالية، وهي ضرورة أنها تزيل احتقان الغضب، وتعمل على تأكيد نجاح الفترة الانتقالية.
نحن في حزب الأمة القومي منذ مدة –بصرف النظر عن الحادث- نفكر في ضرورة “صبّة جديدة”، بمعنى التطرق إلى إخفاقات الفترة الانتقالية في مجالاتها المختلفة، وتقديم مشروع علاجي، فالآن شكلنا لجنة شخصت الإخفاقات واقترحت الأسس الصحيحة لمعالجة هذه الإخفاقات تحت عنوان “صبّة سياسية جديدة”.
“إزالة شحنة الغضب” كأن لديك تصوراً لإجراء ما، ما هو؟
على سبيل المثال عندما يقال إن شرط السلام “العلمانية”، وهناك انقسام حول هذا الموضوع، وهكذا، عندما يطرح ناس شعارات متطرفة في وقت يبحث الناس عما يجمع.. كل هذا سيأتي في التشخيص والمعالجة، اللذين سيقدمان بطريقة منهجيّة وليست بطريقة ارتجاليّة؛ لتوضيح ما الإخفاقات، وما علاجها.
أعرف أنكم سبق أن قدمتم مصفوفة كاملة للخلاص الوطني، فما مصير ما تطرحونه؟
أُخذ ببعضها، ولم يؤخذ ببعضها الآخر. الآن نطرح شيئاً يتجاوز المصفوفة، ويتحدث عن واقع الحال، ماذا حدث من إخفاق؟ وماذا يجب من تصحيح؟
ما تقييمكم عموماً للفترة الانتقالية؟
هناك إخفاق أساسي في الوثيقة الدستورية، وفي التحالف المدني العسكري، وفي عمل الجبهة المدنية، كما أن هناك إخفاقاً في السلام، وفي التعامل مع الاقتصاد، وهكذا.
ومن هناك نتكلم عن ضرورة الاعتراف بالإخفاقات، وفي كيفية التعامل معها؛ للخروج من هذه الإخفاقات.
هل يمكن أن أطلب اعترافاً منكم، وهو أنكم كنتم سبباً في هذا الإخفاق عندما قررتم عدم التمثيل في الحكومة الانتقالية؟
نحن بحسن نية رأينا أن تكون المسؤولية في الفترة الانتقالية لخبراء، وهذا نظريّاً صحيح، وكان يجب أن يُحمد لنا ذلك، لأننا ما تحدثنا بأن النظام الذي تآمر علينا زال؛ ولذلك كان المفترض أن نتولى المسؤولية، بوصفي رئيس الوزراء المنتخب، فلم أُبعد بوسائل دستوريّة وإنما أُبعدت بوسائل انقلابيّة، ويحمد لنا هذا الموقف.
ويبقى السؤال: هل فكرة تحميل المسؤولية لخبراء في هذه الفترة سليمة؟ كفكرة سليمة، لكن المؤكد يعني أننا يجب أن نناقش الأداء عمليّاً.. نعم نتحمل مسؤولية اشتراكنا في إقامة ما حدث دون أن نشترك في الإجراءات المختلفة، وصحيح نتحمل مسؤولية إقامة الوضع الانتقالي بهذا الشكل.
السلام، بوصفه أولوية، كيف ترى المسارات الحالية له؟
هناك أخطاء كثيرة، أولاً: كان المفترض أن نطرق باب السلام بعد أن نكون قد حددنا معالم الفترة الانتقالية على أسس موضوعية، وثانيّاً: بعد أن نضع إستراتيجية السلام، حتى لا يأتي كل إنسان ببرامج سياسيّة ويقحمها في السلام، وثالثاً: كان المفترض بعد الإستراتيجية تكوين مفوضيّة السلام، حتى تتولى هذا الموضوع، ولكن من المؤسف أنه قد بدأ الكلام عن السلام دون وضع إستراتيجية، ودون تكوين المفوضيّة، وقبل أن تكتمل صورة الفترة الانتقاليّة؛ وصار كلام عن السلام فيه تهديد للفترة الانتقاليّة.
على كل حال وضعنا تعليقاً عاماً عن الموضوع، وقلنا إن تناول عملية السلام بالطريقة التي حدثت خطأ، والآن عندنا لجنة بناءً على ما حدث في جوبا قامت بالتقييم عما هو مقبول فيما يتعلق بمفاوضات السلام، وما هو غير مقبول ويمكن أن يأتي بنتائج عكسيّة على السلام، وسيصدر حزب الأمة بياناً كاملاً حول هذا الموضوع.
ماذا عن مسارات الشمال والوسط والشرق؟
حقيقة حدث ارتباك كبير، ولم يكن هناك داعٍ للحديث عن مسارات لم تكن جزءاً من الحرب، فالسلام يتطلب أمرين: الأمر الأول: ما أسباب الحرب؟ الأمر الثاني: ما آثار الحرب؟ أسباب الحرب لا دخل لها بما حدث في الوسط، وكذلك آثار الحرب؛ ولذلك نرى أن مسارات قد أُقحمت، وهي لم تكن جزءاً من أسباب الحرب، أو آثارها.
هل هناك معالجات ممكنة لمثل هذا الخطأ الذي أشرتم إليه؟
هناك لجنة من حزب الأمة درست الأمر واقترحت المعالجات في شكل توصيّات، والحزب يناقش الآن لاتخاذ قرار حيالها، وبعد أن يقرر الحزب ما العيوب؟ وما العلاجات؟ سنتصل مع كل الأطراف، لأن الأمر لن يكون حزب الأمة يملي، وإنما يقترح على الآخرين حتى نتفق.
 أرى لديكم قلقاً بخصوص طرح مسألة “العلمانيّة”؟
نعم، وقد أصدرنا بياناً رسميّاً بهذا الخصوص، نحن نتحدث عن الدولة المدنية، وعن التعددية، أما العلمانيّة فهي محملة بمسائل فلسفيّة، ومن يريدها، عليه أن يدعو إليها في الانتخابات الحرة، كرؤية فيها تنافس، (العلمانية أو غيرها)، لكن الفكرة الأساسيّة الفصل بين حقوق المواطنة والانتماء الديني، وتأمين حقوق الدولة المدنيّة، وتأكيد حرية الأديان، وتأكيد التعددية، أما من يريد أفكاراً أخرى كالعلمانية أو الإسلاموية وغيرها، فليطرحها في التنافس السياسي عبر الانتخابات.
طرحكم بمعالجة إخفاقات الفترة الانتقاليّة هل يعني تخليكم عن الدعوة إلى انتخابات مبكّرة؟
أنا لم ادع إلى انتخابات مبكّرة، من يقولون ذلك يتكلمون بلغة أبي نواس:
ما قال ربك ويل للذين سكروا*** ولكن قال ويل للمـصلينا
قلنا إذا أخفقت الفترة الانتقاليّة، وصار هناك ضرورة لإيجاد مخرج جذري يجب ألا يفكر الناس في العسكرة، ولا يسمحوا بالفوضى، وإنما يقفزوا إلى الأمام، وهذا لا يكون إلا نتيجة لحالة استثنائيّة، وتأكد فشل الفترة الانتقاليّة؛ لأن هناك من يدعو إلى مليونية عسكرية، وبعضهم بدلاً من مدنيّة أصبح يقول “عسكريّة”.والعسكريّة في السودان فشلت، ومعنى ذلك تكرار للإخفاق؛ لذا نقول: لا نتحدث عن انتخابات مبكرة إلّا في ظرف استثنائي، ولهذا ندعم الفترة الانتقالية حتى تنجح، وتكمل مهامها.
هل يساورك خوف من تكرار سيناريو “الانقلاب العسكري”؟
كل شيء وارد في السياسة، ولكن رأيي أن السودان بقى عنده مناعة ضد السيطرة العسكريّة، ولذلك في تقديري –كما قال أينشتاين-: الغباء هو أن تقوم بالعمل نفسه وتتوقع نتائج مختلفة، فالسودان حدثت فيه ثلاثة انقلابات أدت إلى انتفاضات، بل إلى مقاومات مسلحة، فلدينا ثلاث انتفاضات وأربع حركات مقاومة مسلحة نشأت نتيجة للحكم العسكري، ولهذا فهو مرفوض، ولكن أيضاً مرفوض الحكم الديمقراطي من دون مراعاة الدروس المستفادة من نقاط الضعف في التجربة الديمقراطية، ولهذا يجب أن نعمل على مراعاة “أقلمة للتجربة الديمقراطية”؛ لأن فيها أقلمة ثقافية، وأقلمة اجتماعية، وعندنا مقترح عن كيف تكون الديمقراطية عندها مبادئ تُحترم: المشاركة والمساءلة وسيادة حكم القانون والشفافية، وكذلك تتطلب حقوق الإنسان، وهي: الكرامة، والعدالة والحريّة والمساواة والسلام، هذه التسع تمثل الملمح الأساسيّة للديمقراطية، ولكن لا بدّ من مراعاة “أقلمة” للديمقراطية، لمراعاة الظروف الاجتماعيّة والثقافيّة في السودان، ولهذا حزب الأمة يطرح الرؤيّة الجديدة حول إنجاح الديمقراطية في ضوء الدروس المستفادة من التجارب الديمقراطيّة.
هجومكم “شخصيّاً” على الحزب الشيوعي نوع من الترف لم يحن وقته في رأي بعض المتابعين للمشهد السياسي، ما ردكم؟
يمكن أن يقول ذلك بعض الناس، ولكن الحزب الشيوعي لم نهاجمه بل هو الذي يهاجمنا، ونحن نردّ عليه، أي هو المعتدي، ولسنا نحن.
ألم يكن تجاوز ذلك؟
كيف نتجاوزهم؟ هم يمثلون رؤيّة للناس، ولهذا يجب الردّ. فكل كلامنا عن الحزب الشيوعي هو ردّ فعل للفعل الذي قام به، والإساءة التي وجهها لحزب الأمة ودوره. نحن لم نبدأ بل رددنا عليهم.
ألم يكن من الممكن ترك الردّ لأمانة الحزب، بدلاً من أت تقوموا أنتم شخصيّاً بالرد؟
هذا كلام مباشر، وخارج من اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي ببيان، فكيف يمكن أن ندعه. وفي رأيي أي من يطرح أفكاراً مضرة بالمستقبل الوطني لا بدّ من التصدي لها.
جولاتكم في الولايات يراها أيضاً بعضهم استعراضاً للقوة ليس وقته الآن؟
كان بعض الناس يتكلمون بأن الأحزاب انتهت، وتجاوزها الزمن، ونحن نقول: إن حزب الأمة –على الأقل- صمد 30 سنة في مواجهة النظام البائد، الذي صرف كل ما يمكن صرفه لاختراق حزب الأمة، وجنّد ناس، وكان يقول: أن قضيت على الحزب، ونحن نقول: حزب الأمة صمد، وعنده وجوده، ولكن بدلاً من نتكلم نظري نردّ عمليّاً.
نحن ثابرنا وصمدنا، والنظام البائد عرض علينا أربع مرات المشاركة في السلطة مناصفة، ولكن قلنا: لا .. لن تكون هناك مشاركة إلا في ظل نظام ديمقراطي.
على كل حال، هذه الجولات كانت ضروريّة، وسنتواصل فيها، وقد غطينا 10 ولايات، وسنكمل بقية الولايات، وذلك ليس تحضيراً للانتخابات كما يقول بعض الناس، ولا لاستعراض العضلات، ولكن للتواصل، الذي حُرمنا منه 30 سنة، فآن الأوان أن نتفقد المواطنين، ونسمع منهم، فكيف يقولون: إن هذا خطأ، بل هذا واجب أي حزب سياسي، الذي عليه أن يتّصل بقواعده.
نحن لدينا 18 فرعية في الداخل و73 مكتباً في الخارج، والاتصال بهؤلاء ضروري لنسمع منهم، ويسمعوا منا؛ لتأكيد أن هذا الجسم حي.
بالنسبة للشباب، ألم تشعر بأن لدى كثيرين منهم كفراً بالأحزاب؟
طبعاً، ولكن لا يجب أن نتكلم عن الأحزاب إجمالاً، وإنما يجب أن نأخذها حزباً حزباً؛ لأن هناك أحزاباً ليست موجودة أصلاً حتى يُكفر بها، لأنه حدث لها تآكل، ولكن لا يمكن أن نقول إن حزب الأمة هناك كفر به؛ لأن وجوده النسائي والشبابي والمهني والخارجي بارز، ولا ينطبق عليه ما ينطبق على بعض الأحزاب.
طبعاً العالم كله فيه جيل جديد عنده أفكار وتطلعات جديدة، ولكن نعتقد في حزب الأمة عندنا وعي بهذه الحقيقة وتفاعل معها، وعندنا التأسيس الرابع للحزب، الذي يأخذ في الحسبان هذا، وأصلاً قبل الثورة كنا نتكلم عن نسب للنساء وأخرى للشباب في مؤسسات الحزب.
صحيح أن هناك أحزاباً عندها قصور، ولكن هذا لا ينطبق على حزب الأمة.
ناس القذافي كانوا يقولون: “من تحزّب خان” والأحزاب السياسي غلط، فكنا نقول لهم: القضيّة ليست الحزبيّة، القضيّة الحريّة.. ونسألهم: هل توافقون على الحرية، وإذا آمنا بها، لا بد من التنظيم، وهو ليس حزبيّاً فحسب، فهو نقابي أيضاً، ومنظمات مجتمع مدني، وبدلاً من تسميته “الحزبي”، فلنسمه “السياسي”، فأي كلام عن الديمقراطي من دون تنظيم “دة استهبال”.. ما دام هناك حرية لا بدّ من تنظيم، فليسمى “حزب أو كيان أو جبهة” سمه ما شئت، لكن لا بد من التنظيم السياسي والنقابي والمجتمع المدني، فهذه التنظيمات هي الوجه الآخر لكفالة الديمقراطيّة.
كنت في ليبيا في ديسمبر 2010م، ألقيت محاضرة في منطقة اسمها “المثابة”، وجاء كل ناس “الكتاب الأخضر”، قلت لهم: دعوكم من كلمة حزب، هل: توجد حريّة؟ إذا وجدت لا بد من تنظيم، فحرية بدون تنظيم “مافيش”، وتنظيم من دون حريّة “مافيش”، لأن تنظيم بدون حرية يعني مجرد استلام تعليمات، فالحريّة صنو للتنظيم، والتنظيم صنو للحريّة، فالكلام عن الأحزاب بصفة مطلقة “كلام فارغ”، إذ لا ينطبق علينا ما ينطبق على أحزاب أخرى تآكلت، وانتهت، فالحديث يجب أن يكون عن كل حزب على حدة.
فاجأت جماهير الحزب بطرحك موضوع تنحيكم عن رئاسة الحزب.. لم افاجئ أحداً، انا أتحدث عن هذا الموضوع منذ سنتين.
لكن الطرح هذه المرة في إطار جماهيري؟
أنا رأيي “كدة”، وأتكلم عن هذا في إطار المؤتمر العام.
لكن هناك شعوراً بأن وجودك له قيمة مضافة للحزب؟
أريد أن أحول الأمر من شخصي إلى مؤسسي، ولدينا قيادات، وسيأتي الأمر في المؤتمر الثامن.
الأمانة العامة، كان يؤمل أن يكون التغيير فيها مناسباً للمرحلة، وأخذ كثيرون اختيار السيد معتز البرير في إطار تمكين الأسرة؟
الناس يجب أن تعترف أن أسرتنا تجمع الناس من دون حزبيّة، وهي أسرة قوميّة. فالتزاوج في الأسرة ليس على أساس حزبي، وإنما على أساس قومي.
وهذا يعني أن تركيبة أسرتنا قوميّة، وثانيّاً أن ما أدى إلى انتخابات الأمانة كان لاستقالة الأمينة العامة (سارة نقدالله) لظروف صحيّة، والهيئة المركزيّة اجتمعت وقامت بالانتخاب، ولم يكن لي رأي أن يكون في المنصب زيد أو عبيد، والعائلة نفسها ما كان لها رأي محدد، ولم يصوّت أفرادها لجهة واحدة، يعني لم يكن هناك لوبي أسري، ولم يكن هناك انحياز لشخص معيّن، ولكن الأغلبية انحازت للأمين العام الجديد (معتز البرير) من دون تدخل الأسرة.
السؤال الأخير: إعلام حزب الأمة لا يناسب طموحاته، ما رأيكم؟
أوافقكم الرأي، طبعاً بدأنا خطوات للارتقاء بمستوى إعلام الحزب. لم يكن لدينا صحيفة، وأصبحنا نمتلك صحيفة للحزب، ولدينا مركز جديد، وسنطلق صحيفة إلكترونية، ثم إذاعة، وقناة فضائية، وكل هذا كنا محرومين منه في الظروف السابقة، فالنظام البائد كان يجردنا من أي حق، ولكن هذه الأمور ستعالج بإذن الله.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق