الخميس, 19 مارس 2020 01:43 مساءً 0 505 0
البصمة
البصمة

علاء الدين محمد عثمان

الأمن القومي ... جدلية الثورة والانتهازية

عندما قامت ثورة مايو بقيادة الراحل العقيد  وقتها  جعفر محمد نميري كان أول ما بدأت به الثورة هو حل الإدارة الأهلية وكان ذلك بإيعاز من الشيوعيين، وذهب الرائد زين العابدين محمد احمد عبد القادر للناظر بابو نمر لإبلاغه بالأمر، إثناء الاجتماع مر إعرابي ومن علي ظهر بعيره القي التحية(سلام يا جناب الناظر) الأمر الذي لم يعجب زين العابدين وبردة فعل قال له هذا الأمر قد انتهي وتم إعفاء الناظر وحل الإدارة الأهلية، لم يتردد الإعرابي في الرد وبسرعة وقال لزين العابدين (والله نحن كان الوادي جري أسمو الوادي وكان ما جري أسمو الوادي) بهذا الرد المفحم أوضح الإعرابي بأن الناظر بابو نمر لا يستمد قوته ووضعيته من منصبة وإنما من أهله وعشيرته، لاحقاً اكتشفت مايو إن قرار حل الإدارات الأهلية كان فخاً منصوباَ بعناية أصيبت الدولة جراء ذلك بآثار سالبة عديدة.....
وعندما قامت الانتفاضة علي نظام مايو كان أول ما بدأت به هو حل جهاز الأمن القومي وقتها دون إي دراسة أو وجود أي مسببات يستند عليها القرار، وبالفعل لم تمضِ أيام وظهرت العديد من السلبيات جراء القرار غير المدروس والذي اتضحت فيه لاحقاً أصابع اللوبيات لتنفيذ أجندات المعارضة وربما تكون هنالك أصابع خارجية، بالإضافة لذلك فقد أراد بعض رموز المعارضة آنذاك قفل الباب إمام الملفات التي تكشف علاقتهم بجهاز الأمن القومي، ابرز الآثار السالبة للقرار كان دخول حركات التمرد لمنطقة الكرمك وقيسان بقيادة الراحل جون قرنق بالإضافة لتسريب الملفات حتى وصل بعضها لأيادي المخابرات الخارجية....
عندما قامت ثورة الإنقاذ الوطني بقيادة العميد  عمر حسن احمد البشير كان أول ما بدأت به برنامجها هو إقالة الخبراء للصالح العام في مختلف القطاعات لأسباب تتعلق بالانتماء السياسي ولأجل فرض التمكين، بعد ذلك أتت الطامة الكبرى وهي إعدام ضباط ٢٨ رمضان ويليها إعدام مجدي محجوب ثم استعداء كافة القوي السياسية بما فيهم الشركاء، ومسيرة الإنقاذ لم تكن حافلة بالإنجاز وأيضاً لم تكن متدنية لدرجة ما يشاع الان، عموماً هي مرحلة صاحبها الكثير من الصواب وكذلك العديد من الأخطاء،أسوأ ما فيها في اعتقادي الشخصي هو الفساد الذي صاحب بعضهم وعملية تصعيد بعض الشخصيات في شتى المجالات وها نحن نراهم اليوم قحتاويين....
عندما قامت ثورة الشباب في ديسمبر من العام ٢٠١٩ التي أطاحت بحكومة الإنقاذ، استبشر الجميع خيراً لهذا الوعي المتقدم، وتطلع العامة لمستقبل أكثر إشراقاً ولكن للأسف لم يمضِ الكثير علي الثورة حتى تم اختطافها من قبل بعض المتسلقين تحت مظلة قوي الحرية والتغير الذين كرروا ذات الأخطاء، فكان أول ما بدأت به الحكومة الانتقالية هو نهج الإقصاء وإقالة هذا وذاك بحجة الانتماء السياسي لحزب المؤتمر الوطني، واستعداء الكثيرين بما في ذلك بعض الدول الصديقة والشقيقة وكذلك بعض رجال الأعمال الشرفاء وعدد من رموز المجتمع، يتضح جلياً في الأمر المثل الشائع (المحرش ما بقاتل) عموماً هي تجربة مريرة من الأفضل إن يعبرها السودان، دون شك هي محدودة المدة الزمنية لا اعتقد إن الثلاث سنوات سوف تكملها حكومة حمدوك، جراء هذه السياسات التي تتبعها قوي الحرية والتغير أصيبت الدولة بخلل واضح ظهرت نتائجه في الأزمات المتتالية التي تشهدها البلاد والقادم اسوأ بكثير إذ استمر ذات النهج....
الجديد تحت الشمس يتجدد عدا الانتفاضات والثورات السودانية التي لم تتجدد لا في النهج ولا السلوك، وظلت تتحرك دائرياً وتكرر ذات الأخطاء المعزولة بالأجندات وتصفية الحسابات وسياسة الإقصاء، ودائماً نجد إن الثورة يصنعها الشعب كما حدث في استقلال وطننا الحبيب وثورة أكتوبر والانتفاضة في العام ١٩٨٥، لكن للأسف بعد كل ثورة يظهر الانتهازيون المتسلقون سارقو الثورات فيعتلون السلطة ويفسدوا وينسون الشعب ويبيعون ويشترون في الوطن ثم يرحلوا، الحكومة ألان تعيش في المرحلة قبل الأخيرة... .
ناسف للإطالة ولكن كان لابد من المقدمة التي تعكس واقع السياسة المتدهور في بلادنا، كانت المقدمة تمهيداً للحديث حول بعض القضايا الوطنية وكذلك الجهات والمؤسسات التي تتعرض لحملة رعناء ممنهجة وعلي سبيل المثال جهاز الأمن والمخابرات الوطني سابقاً وجهاز المخابرات العامة ألان، فعندما قامت الثورة طالب البعض بحل الجهاز، وعندما وجدوا في  الأمر صعوبة ومعارضة من الوطنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية بما في ذلك كبار السياسيين الذين يعون جيداً دور وأهمية الجهاز في حياة الناس، في هذه اللحظة استشعر المتسلقون فشل الخطة فسرعان ما تم تغير خطتهم وأصبحوا يعملون علي تهميش دور المؤسسة الأمنية وإبعادها من معظم المهام الرسمية الموكلة لها، كان ذلك من قبل القيادات المدنية بالدولة وللأسف بموافقة المكون العسكري أو علي اقل تقدير امام أعينهم ، الأسوأ من كل ذلك هو تشويه صورة الجهاز والعمل علي إضعافه.
جهاز المخابرات العامة ليس كما يشاع جهاز يعمل علي الرصد والمتابعة والاعتقال والتعذيب، وإنما هو جهاز محترف له تاريخ طويل مليء بالمفاخر، اسألوا أجهزة المخابرات الإفريقية والعربية وحتى الأوربية والأمريكية عن إمكانيات الجهاز ومنسوبيه، جهاز المخابرات هو الجهاز الذي ظل وباستمرار يعمل علي سد ثغرات الجهاز التنفيذي،جهاز المخابرات ليس هو المبني المطل علي شارع سعد الدين فوزي امام صينية المركز الطبي الحديث،وإنما هو الجهاز الذي نجده واقفاً دوماً متصدياً لكافة الأزمات التي تشهدها البلاد،جهاز الأمن والمخابرات الوطني ليس هو النافذة التي تطل علي شارع إفريقيا (استعلامات الجهاز)وإنما هو المؤسسة الأمنية الضخمة الراسخة بالعلم من خلال أكاديمية الأمن العليا،ذلك الصرخ العظيم،وبالقوة الوطنية التي تحمى وطننا من خلال هيئة العمليات،وبالمعلومات الحية من خلال المخابرات الخارجية،وبالمعلومات الاقتصادية المتطورة والرافدة والحامية لاقتصادنا من خلال هيئة الأمن الاقتصادي،هذا قليل جداً من كثير،فهل فهمتم يا هذا وذاك ما هو جهاز المخابرات العامة؟عموماً وإذ أراد أهل الانتقالية النجاح في فترتهم الانتقالية فعليهم تغير نهجهم الاقصائي وان يستعينوا بهذا الجهاز الأمني الوطني بتاريخه العريق المليء بالمفاخر.
ختاماً لعلمي التام باهمية ودور الجهاز اكتب وسوف اكتب مجدداً، الجهاز بحر لا تكدره الدلاء ياااااا !!!!
(لنا عودة)(0900909299)

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق