الخميس, 02 ابرايل 2020 00:01 مساءً 0 331 0
همس الخواطر
همس الخواطر

  د. فاطمة عبد الله

الكورونا ميلاد جديد

جائحة فيروس الكورونا أتت كشئ مباغت .. لم يحسب لها العالم حسابا .. ولم يعد لها عدة .. ولا عتادا .
معظم الحروب التي قادها العالم كانت ضد شئ محسوس .. منظور .. ترديه رصاصة .. ويقتله صاروخ .. ينزف دما .. وتقتله كل أنواع الأسلحة التي تتفنن البشرية في صناعتها وانتاجها وبيعها ، وتتسابق الدول في اقتناءها .
العالم ما زال يطور أسلحته .. ليقتل الإنسان أخيه الإنسان .. وتزداد قوة الدول .. كلما زاد امتلاكها من أسلحة القتل والتدمير ..
السلاح البيولوجي تم اختراعه كنوع من أسلحة القتل .. المحظور منه والمباح .. وما زال الإنسان يبحث عن إختراع المزيد من أسلحة الفتك والتقتيل .. ليزداد قوة .. وزعامة .. سيادة .. وليخيف .. وليقتل ..
العالم يقاتل أكثر من بحثه عن السلام .. وما زال يصنع ويشتري السلاح ليملأ مخازنه .. ليقتل عدوه الإنسان .. العدو المرئي ..
في قرون سابقة فتكت بعض الأوبئة بالبشر .. كالسل ، الجدري و الانفلونزا .. وجد لهم العالم لقاحا ... كما سيجد للكورونا لقاحا .. ولكنه ما زال لم يعي ذلك الدرس الخفي : أن أنتبه فهناك قوة غير مرئية .. مهما بلغت قوتك فهي أكبر منك .. تخبرك أنك ما زلت لم تدرك كل أسرار هذا الكون .. أنك ما زلت ضعيفا في حين تظن أنك قويا .. أنك تقهر في حين تظن أنك القاهر .
هذا الكورونا الحقير .. الصغير .. الذي لا يرى بالعين المجردة ألزم الناس بيوتهم ..أبعدهم عن أحبابهم .. لم يمكنهم من مرافقة مرضاهم .. ولا من توديع موتاهم .. ولا تشييع جنازاتهم ..
هذا المرض ساوى بين الناس .. فلم يفرق بين أحد .. ولم يستثني أحد .. أغلق العالم .. ودمر اقتصاديات بعض الدول ..
ما يدور في بعض الذهنيات بالحديث عن كورونا كمؤامرة تقودها دول بحثا عن الزعامة والريادة لا ينفي أن الأمر حقيقي .. وخطير وواقعي .. فالموت يوميا بالألوف ، وكذلك الإصابات الجديدة ، وهذا أمر بعيد عن تضليل المشككين ..
الكورونا إدراك جديد لمعنى الحياة .. دليل حي على قدرة الله تعالى .. فيه إخبار أنك قد تصحو يوما على أقدار مفاجئة لم تكن تتوقعها .. فيه تضاد .. حبس أناس مع عائلاتهم .. وأبعد آخرين عنهم .. هناك من تمنى نظرة أخيرة لميت لم يتمكن من توديعه .. وهناك من فرت منهم عائلاتهم .. وهناك من ضجروا حبسهم في بيوتهم وبين عائلاتهم ..
الكورونا جعلت بعض العالم مضطرا أن يختار بين انقاذ الشباب أو كبار السن ..
الكورونا أخبرتنا أنه قد يأت يوما يضطر فيه العالم إختيار موتك لتكتمل دورة الحياة .. يوما يكون فيه موتك حياة لغيرك .
الكورونا أعطى لبعض الناس وقتا مع عائلاتهم لم يتوفر لهم لأعوام .. وسلبه من آخرين .
الكورونا أعطى وأخذ ..
الكورونا ميلاد جديد لكل من وعى ..
الكورونا تقود إلى باب الله لكل من سهى ..
الكورونا جرس انتباهة .. لفت نظر .. همسة خطر ..
الكورونا ميلاد جديد لكل من نجا .. وتدبر .. وفكر ..

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

hala ali
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق