الأحد, 02 ديسمبر 2018 01:07 مساءً 0 251 0
أجراس فجاج الأرض
أجراس  فجاج الأرض

د.طه طلعت لعليائه

 

تعيش إنت
تبلهتُ،إبتسمتُ فضحكتُ بينما صوت سيف متهدج عبر الأثير يناغينى:تعيش إنت. ثم برهة صمت فى شرفة حزن فسيح تصورت صخبها التاليها، وإذ بالأثير يفرقعها فى أذنى د. طه طلعت مات وواحد جميل تانى مات يا حاردلو فى عليائك، أمهلت سيفا هنيهة ليمسح ما سال من عينه وأنفه، لا أعرف عن سيف منذ ربع قرن من الزمان غير أنه الإبن الروحى الكوثر والمُؤثر عند د. طه طلعت، واناديه بسيف طلعت وهو الأمين العام على أسرار عيادة د. طه صاحب الكروت الأنيقة المطبوع عليها بعناية رحيمة : الطبيب الإنسان، كنت معاودا رئيسا بكرت الطبيب الإنسان قرابة ربع قرن مجانا فشهدت الإنضباط والنظام والتطبيق الأمثل النظافة من الإيمان، صادفت جنوبيا منفصلا الآن جغرافيا ويداوى ما يعترى أنفه وأذنه وحنجرته لدى د. طه طلعت الذى احتفظ بسجلات معاوديه منذ ستين القرن الماضى وعكف على حوسبتها بعد صرعات التقنية الحديثة، مئات الآلاف عاودوه، سأل سيف الجنوبسودانى عن آخر تاريخ عاود فيه المركز الطبى المصغر، كان سؤال سيف فى آواخر تسعين القرن الماضى، وجاوبه الجنوبسودانى عاودت عام تسعة وستين وتسعمائة وألف ومن يومها لم تعتل ثلاثيته أنفه وأذنه وحنجرته المطبوبات بأيادى د. طه طلعت ، وتبسمت ساخرا من سيف المتحفز لإخراج كرت آخر زيارة، فسخر منى عمليا وفى بضع دقائق كان الكرت بيد صاحبه الجنوبسودانى مسرورا لتأهبه للقاء طبيبه الأثير ومن غيره د. طه طلعت نجم الطب والساحة ومن بواكير أطباء صحة الأنف والأذن والحنجرة دارسها من ألفها حتى تخصصها بأعتى جامعات الدنيا، فكان للسودانيين كافتهم طبيبا ولزملائه نقيبا لما كانت النقابات منتهى الشياكة والأناقة التى يذكرها من ذاك الجيل الدُريّ ما تناهى لمسامعهم ذكرى وسيرة د. طه طلعت ولو من عليائه التى صعد إليها روحا طيبا بالصبر والإحتساب، يا له من إسم فخيم حظيت بالتعامل معه صديقا ولعيادته معاودا عمرا بحاله.
متعمعما متجلببا
مملوءا بآمال عراض فى سنوات تأسيس (أخبار اليوم)، إتجهت صوب مكتب رئيس التحرير بصفتى الوظيفية التحريرية ووجدت فى معيته رجلا شيخا عمريا، بادٍ على محياه الصلاح، متعمعما متجلببا، لعلها المرة الأولى والأخيرة التى فيها رأيته متزيياً على تلك الشاكلة، فما شهدته بعدها إلا داخل البالطو الأبيض أو بقميص داخل بنطال منتهى الأناقة وتناسق الألوان يبديه شابا أربعينيا جاذبا بوسامة مغالبتها ومدافعتها للظروف والصروف باديةً، صافحته لأول مرة فى مكتب رئيس التحرير و(أخبار اليوم) لخطاها متلمسة وعن هويتها باحثة، عرفنى عليه والإسم الرنان خلته لا يذكرنى بعدها، متأبطا كان لصفحة متخصصة فى شؤون وقضايا الصم والبكم التى نذر عمره وعلمه وماله لخدمتهم ليكونوا كما هم الآن أهم بضعات المجتمع، تلك الصفحة كانت مدخلى لعوالم ما حلمت بالترقى يوما لها وأكسبتنى تجارب وخبرات وقيما ومعانٍ، وكما صبغت تلك المساهمة (أخبار اليوم) بغالب هويتها وشخصيتها الإنسانية وظلت على مدار خمسة وعشرين عاما تنشر إعلانات جمعية الصم والبكم مجانا إكراما لدكتور طه وهذه الفئة المهمة.
أوكسجين وأكسير
ولسنوات ود. طه طلعت يشرف على هذه الصفحة الإنسانية الفريدة معلما ومربيا، وما ظننته بفاهم فى غير تخصصية طبه ومهتم بغير قضايا الصم والبكم ربما بحكم مهنيته الطبية وإنسانيته الدافقة التى تنازل بها عن نصف إيراداته كطبيب وأى طبيب هو د. طه طلعت الذى شرفنى بأن كان طبيبى الخاص ونفسا عميقا  في تنفسي لأوكسجين الحياة وأكسيرها، مصدرا لطمأنينتى وأنا المصنف بالإصابة بالجيوب الأنفية المرشحة لأزمة صدرية بالأقرب للإنتقال لدار البقاء والخلود وفى الجيوب والصدر خطوط التنفس الأمامية المعينة بعد مشيئة الله على البقاء قيد الحياة، فكان د. طه طلعت طبيبى الذى يستقبلنى مجانا فى أى زمان ومكان، فى بيته ووقت راحته داهمته فيتلقفنى بكل الحب والترحاب، وكم من مرة فقدت حاسة السمع بسبب تجمع الشمع فيسترجعها لى بعمليات صغيرة بسلاسة وسهولة، وكم تضايقت فى التنفس والبلع عبر الحنجرة مرات ومرات فكان ملاذى، هو بعض بل أصل فى شهيقى وزفيرى ومأكلى وشرابى يطبنى بحنو ودفء فأخرج من عنده مقبلا على الحياة دوائي شرفى بصداقته ومخصته لى بأدق أسرار حياته المدرسة الموسوعية لأتزود منها وأتعلم ويا له من معلم أفتقده كل ما ضاقت أنفاسى وتلاعبت بى وعبثت عبراتى.
متحفا ومزارا
قلت ما ظننته غير ما سقت وهو ابن الحسب والنسب والعز والأصول الناهض من بين صلب وترائب أسرة إنسانية ممتدة قوامها رموز وعلماء ونجوم مرصعة بلآلئ العلم والأدب والتربية، رفدت بهم البلد السودان الذى حملوه فى حدقات عيونهم، أرشيف د. طه طلعت صورة تستحق أن تكون متحفا ومزارا، تحكى عن سيرة طبيب إنسان وفريد، حياته الهانئة الخاصة من أزل بعيد لم تلهه عن قضايا وهموم بلده غلابتها خاصة، حلم بمنبر الوسط حزبا لكل السودان، ليت أيامنا تمتد لنجمع كتاباته الراتبة ومقالاته عن فكرة منبر الوسط حلا لقضايا السودان الذى إرتحل عنه بعيدا بلا رجعة، ولكأنما عز عليه موته فيه من حبه، فمات بحول الله فى بلد الأمريكان الذى يدين له بفضل ولأحد بروفاته الذي أجرى عملية إستزراع كبد مواطن بوسنى بدلا عن كبد د. طه التى تلفت قبل نحو ثلاثين عاما فما جزع ولا خار ولا لان، نجحت العملية بصورة أذهلت بروف الأمريكان الذى قال للدكتور طه طلعت مداعبا أن كبد البوسنى صارت حتة منك وكما كان يقول هو مداعبني أنه يعيش بنصفين سوداني وبوسني، قضى بها ربع قرن من عمره ذاكرا خادما الناس طبيبا ومتطوعا فى خدمة الأعزاء الأماثل الصم والبكم الذين قربنا منهم، وصورتى أدنى صورة والدى فى ترويسة زاويتى هذه من مخاطبة فى إحدى مناسبات جمعية الصم والبكم التى نافح لأجلها مسابقا سويعات أزمنة الأعمار التى لا تسابق، ومن رحمة الله به سبقته بالرحيل عن فانيتنا زوجته بينما كان عن الوعى غائبا إثر علة طارئة دهمته هناك حاورته وراوغته وقد وهن العظم منه فغلبته بحول الله مسلما روحا طيبا لباريها محلقة فى برزخها، رحمة الله تتغشاك صديقى العزيز د. طه طلعت.. وما دمتُ حيا لن أنساك اتنسم ذكراك عن بعد وكثب متابعا لعطاء أبنائك من بعدك عله يكون مثلك ومن جنس عطائك.. وإنى واثق أنهم على درب طه طالعون.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة