الأثنين, 29 يونيو 2020 02:01 صباحًا 0 524 0
بذرة الحياة : وفاء جميل
بذرة الحياة : وفاء جميل

 

ثورة الوعي ..((2))
أحياناً يصيب المجتمع حالة مِنّ القلق و عدم الإطمئنان في المراحل التي تعقُب الإنتفاضات و الثورات الشعبية التي تهدف للتغيير في السُلطة و إسقاط النظام ، و قد تستمر الثورات إلى ما بعد السقوط و التغيير السياسي ، و يمتد القلق على سير الحراك و مدته ، و يصبح الرهان على قدرة الشباب و كيفية حماية الحراك و تطويره ، و دخول مراحل تاريخية جديدة هي أكثر تقدماً و إنفتاحاً ..

لا يختلف إثنان في أنّه و بعد خوض الثورات ما يزال للمستقبل عتمة و ظلمة ، و ذلك مِن حيثيات كثيرة أهمها أنّ هناك ضبابية و رمادية في رؤية المستقبل القريب أو البعيد ، و أنّه يُصنف ضمن المجهول ، و كذلك كمية التخوف التي تسيطر على طبيعة الأوضاع مِن تغييب ، و تضليل ، و تخدير مارسته الأنظمة تباعاً بإحترافية ممنهجة ، فلا شكّ أنّ هذا القلق و التخوف مبرر و مفهوم إلاّ أنّه لا يمكن أنّ يصبح عائق أمام إستكمال النهضة و التطوير ، و التمسّك بالثورة نفسها كدافع قوي ، و سلاح مصوّب أمام أي عائق يحدّ مِن مواجهة إستكمال البناء و تحقيق الأهداف ، و أيضاً أمام أعداء الثورة الحقيقيين ، و في المقابل يجب أنّ يكون القلق و التخوف حافز على العمل الجاد و التفكير و التخطيط من أجل إبتكار الوسائل و الأدوات الثورية  التي تطورُه بالإتجاه الصحيح نحو تحقيق التحوّل الذي تسعى إليه الأهداف و يتطلع له الشباب و تنتظره جميع القطاعات الشعبيّة الثائرة ..

نجدُ أنّ هنالك تعاليم و مفاهيم إيجابية في الثورة يمارسها و يتعلمها الشعب كأعلى قيمة مثالية لأشكال الإعتماد على النفس و التنظيم و الإدارة الذاتيّة و هو ما يعمل على تراكم الوعي و إحداث نقلة نوعيّة فيه ، و بالطبع الصبر و الثبات الذي تحملهُ الشعب طِوال فترة الثورة  كان خير دليل على ذلك ، و شاهد عيان على أنّ الوحدة و التكاتف ما جاءت إلاّ مع فِكرة الثورة فوضعت للعمل الجماعي أساسيات و شكّلت له أبجديات تتعلم منها الأجيال ، و أثبتت مما لا يدع مجال للشّك أنّ الثورة فِكرة و الفِكرة لا تُغبر ..


الشباب متعطشٌ للنهضة و للتقدّم ، و دائماً ما يسعى للتجديد و التغيير و تخليص الشعب من نُظُم القهر و الإستغلالات الحاكمة و المتراكمة ، و ساعٍ إلى المعرفة من أجل الفهم العميق لطبيعة الصراع الذي يخوضهُ و يتفاعل مع تفاصيلهِ و قادر على بلورة مطالب شعبه و يمتلك الوعي الكافي لكشف المتسلّقين و الإنتهازيين ، و كل مناورات الأنظمة و إستغلال الخارج و تسلُطه و إحتوائه لتراجيدية الثورات ، فالتجربة و الإختبار و الممارسة العملية للثورات الأخرى هي الشرط الأساسي لتطور الوعي الثوري ، و تحرّر البشريّة مِن الأوهام ، فبالتالي تؤسّس لوعي جمعي أقرب إلى الحقيقة و الواقع و أكثر تقدّماً و تحرّراً ، ناهياً بذلك كل أنواع التجاذب و التنافر السياسي التحزبي المتشدق ، الذي لا يبِتُ لروح الثائرين بصلة و لا للوطنية بِعِظة ..

الثورات الشعبية مجدٌ ، عقيدةٌ ، رسالةٌ ، دروسٌ ، مفاهيمٌ ، حقائقٌ ، حقوقٌ ، أرقامٌ ، أحلامٌ ، آمالٌ ، ثقافةٌ ، قِيمٌ ، و ذكرياتٌ خالدة  لأرواح بريئة و لدماء سائلة حائرة ، و الكثير المُثير للشفقة و المُنير لدروب أجيال آتية تصبح لها منهجاً و منهاجاً و مجالاً مِنّ مجالات و مدارات و مدركات الحياة و العيش الكريم ؛ فعندما يُعبِّر الشعب عن نفسه يجدُ فيها عِزةً ، كبرياءً ، رِفعةً و كرامةً ؛ ذلك مما لا يدعُ مجالاً للتفكير أنّ تعبير الشعب عن نفسهِ و عمّا يجعله مُنهكاً مُتعباً هو أنّ يثور مُطالباً بحقٍ كفلهُ له وجودهُ كإنسان على وجه الأرض ، متساوٍ في الحقوق و الواجبات مع غيره ، إذ يتضمن الوعي مفاهيم مِنّ شأنّها أنّ تُحدث تغيير واسع في كل مدارج و مداخل الحياة المختلفة و المتنوعة و اللا متناهية ..

ندركُ تماماً أنّ المجتمعات تتغيّر و تتأثر بكل ما يمرُ بها مِنّ إنتصارات و كبوات و هفوات ،  لذا يُصبح الثبات على المبادئ الأساسية في بناء المجتمعات مِن أصعب الأمور ، لذا أعتقد بأنّ كل جيل جديد يحتاج إلى ثورة جديدة تشبه تطلعاته ، و ترتقي لمستوى نظرته للواقع الذي يحيط به ، و الثورة التي نحتاجها الآن هي ثورة الوعي ، و التخلص من كل ما يشّدنا الى التخلُف و اللامبالاة و التقليد الأعمى للسياسين ، و التبعية الغير سويّة للأحزاب ، دونما تفكير و تبصير بما يجري حولنا مِن مكايد و مكابد و تدابير سيئة ، و غيرها مِن أعمال الثورة المضادة الشنيعة ، و مِنّ المعلوم بمكان أنّ لكل ثورةٍ ثورةٌ مضادة لها ؛ لذلك وجب علينا الوعي و الإدراك التام بأن هذه الأرض المِعطاء الوارفة بالخير و البركة الغنيّة بإنسانها ، تنادي ألآ تفريط و لا تخريب و لا تشتيت و لا تبديد لأي جزءٍ مِنّ أراضيها العالية الغالية ، فإنها عزيزةٌ ، فقد أعزّها الله بقومٍ كِرام إنّ شاءوا عمّروها و إنّ شاءوا أفسدوها  ؛ فياربّ أجعلنا ممّنّ يعليّ شأنّها و يُكرِّم قدرها ، و يرفع مقدارها ..

 


للحديث بقية

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق