الخميس, 10 سبتمبر 2020 03:30 مساءً 0 616 0
بذرة الحياة : وفاء جميل
بذرة الحياة : وفاء جميل

 مِن جوبا سلام  (19)

الطريق يصنعهُ المشي .. سلام السودان 1

جميلٌ مِن الإنسان أن يكون شمعة يُنير درب الحائرين ، ويأخذ بأيديِهم ليقودهم إلى برِ الأمان متجاوزاً بهم أمواج الفشل والقصور ..

ومهما نطقت الألسُن بأفضالِها و مهما خطّت الأيدي بوصفِها و مهما جسدت الروح معانيها تظلّ مقصّرة أمام روعتها وعلوّ همتها ، هي دولة جنوب السودان و حاضرتها مدينة جوبا الرائعة بأرضِها ، الكريمة بإنسانِها ، فعندما سلكتُ درب السّلام متجهة لمدينة جوبا كنتُ على يقينِ تام بأنني لم أسلك طريق آخر لدولة أخرى ، و لكن أدهشني كرم الضيافة و حفاوة الإستقبال الذي وجدتهُ في دولة المحبة و السّلام ، إنّه شعبٌ مسالم و مسامح ، حينها أدركتُ أنّ الطريق يصنعهُ المشي و السّلام طريق يحتاج لأرض خصبة ينمو عليها ، و أرض جوبا كانت أكثر خصوبة ، لذلك تسارعت الخُطى المتشوّقة للسّلام ، و لجوبا مشينا و عبَرنا نحو الإستقرار ....

بدأت رحلة سلام السودان منذ أول إعلان المبادئ للدخول في دهاليز التفاوض الذي سُميّ بإعلان جوبا ، فهو مهّد للموافقة التامة و الإرادة القوية و العزيمة و شموخ الهدف بأنّ السّلام مِن أولويات و أساسيات المرحلة ، و أحد اهداف ثورة ديسمبر المجيدة و يجب انّ يتم تحقيقهُ تلبيةً لاجندة الثائرين الذين ضحوا بأرواحهم و أجسادهم ثمناً بخساً مِن أجل السّلام و العدالة و الحرية ، إذً هي مطالب ثورية ارادت حكومة الثورة تحقيقها و جعلتها مِن أهم الأهداف التي تسعى لجعها واقعاً يسيرُ بين الناس ..

وهنا نأخذ فذلكة تأريخية عن نقطة بدأت منها رحلة سلام السودان ؛ فمنذ أول إعلان تم إطلاقهُ في الحادي عشر من سبتمبر 2019 ، و هو ما يُسمى بإعلان جوبا المُشترك حول الإتفاق لبدء التفاوض ، تقديراً لإهتمام سعادة الفريق أول/ سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان لتحقيق السلام في السودان ؛ و إدراكاً للمرحلة التاريخية التي يمر بها الشعب السوداني ، و ضرورة الإتفاق على السلام الدائم  و إنهاء الحرب ، و وقف مُعاناة اللاجئين و النازحين و إصلاح الوضع الإقتصادي في السودان ؛ و تأكيداً لرغبة الطرفين الساعية إلى تحقيق تطلُّعات الشعب السوداني في السلام العادل و الشامل بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة التي أسقطت نظام الإنقاذ السابق ؛

وإلتزاماً من الطرفين بتحقيق شعارات ثورة الشعب السوداني (حرية سلام عدالة) و دفعاً بعملية السلام كقضية إستراتيجية، فإن الطرفين (الحكومة السودانية ، و الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال) قد توصلا  إلى تفاهُمات حول البنود الواردة في هذه الوثيقة إستجابةً لرغبة الشعب السوداني في السلام الدائم والعادل وفقاً للإجتماعات التي إنعقدت في عاصمة جنوب السودان (جوبا) في الفترة ما بين التاسع و الحادي عشر من شهر سبتمبر لعام 2019م بين وفدي حكومة جمهورية السودان ، و الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال برئاسة القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو - فقد إتَّفق الطرفان على بدء التفاوض برعاية حكومة جنوب السودان ؛ إتفق الطرفان على أن تكون مدينة جوبا مقراً للتفاوض ؛ إتفق الطرفان على بدء التفاوض في الرابع عشر من شهر أكتوبر 2019 ..

لطالما تحدثتُ عن دولة جنوب السودان الحبيبة و أنا على البُعد الجغرافي و القُرب الوجداني ، فكان للقُرب الوجداني مصداقية في التعبير عمّا يكُنه الشعب الجنوبي للشعب الشمالي مِن محبة و إنتماء عظيم ، تحدثتُ عن علاقة الأرض و الإنسان بالدولتين المنفصلتين سياسياً المتصلتين إنسانياً ، فكانت للتلقائية الإيجابية في وصف علاقة السودان بدولة جنوب السودان القدح المعلا في تلك الكلمات التي عبّرت عن توادد و تآخي و ترابط الشعبين الشقيقين ببعضهما ..

إستضافة دولة جنوب السودان للعملية السلمية الخاصة بالسودان لم تكُن عن محض الصدفة ، و كما أسلفت فإنّ الجنوب عُرف بالأرض التي تنبض بالسّلام عبر مرّ الأزمان ، لأنّه لطالما نادى بالسّلام ، و شهدت على ذلك الأطلال و الأجيال ، الآن يكررها هذا البلد المعطاء مبادراً بجعل مدينة جوبا مِنبراً لمفاوضات السّلام بين فرقاء السودان ليجعلهم رفقاء الدرب السياسي و القيادي بالبلاد ..

من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، فدولة جنوب السودان جميعها تستحق الشُكر و الثناء ، فلولاها لم يكُن السودان يصل إلى أفضل المراتب السَلمية بعد أعوام عِجاف عاشها شعبهُ تحت أصوات البنادق و الرصاص ، و حرب عنصرية طاحنة تعرك القبائل عرك الرحى بثقالها ؛ فلولا جهودها لما كان للسّلام أي وصول للسودان ، و لما تحققت إحدى الأهداف التي قامت الثورة مِن اجلها ، فأنتم أيها الجنوبيون أساس رِفعة هذه البلد و أساس تقدُّمهُ ، و أنتم من يحمل شعلة السّلام لتصل للسودان عقب التوقيع النهائي الذي سيكون في القريب العاجل ، فشكراً لكم و دائماً جوبا مصدراً للإلهام و للأمان و للسّلام ؛ أدامالله بين الدولتين الأمن و لإستقرار ..

للحديث بقية

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

مشرف عام
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق