السبت, 08 ديسمبر 2018 03:40 مساءً 0 313 0
أزمة السيولة و النقود: liquidity, Cash Crisis .. أسباب وحلول بديلة للتغلب عليها
أزمة السيولة و النقود: liquidity, Cash Crisis .. أسباب وحلول بديلة للتغلب عليها


بقلم: شاذلي عبد الله عمر

مدخل: يتكرر هذا السؤال، ماذا حدث بالضبط لاقتصاد البلاد؟ لمعرفة الإجابة الشافية عن الأسباب وراء أزمتي السيولة والنقود وسبل التغلب عليها، نرجو التمعن في هذا المقال الذي يتناول جذور المشكلة وأسبابها التي انعكست آثارها السلبية على معاش الناس، إضافة للحلول البديلة لحل مشكلتي السيولة والنقود.
توضيح: كثير من الأكاديميين والخبراء الاقتصاديين لا يفرقون بين أزمة السيولة و النقود   liquidity cash crisis . هناك اختلاف بين المفهومين. في هذه الجزئية من المهم دراسة الأسباب الحقيقية لتحول أزمة السيولة إلى أزمة نقدية. ولكن قبل القيام بذلك، دعوني أحدد الفرق بين الاثنين.
تخضع أزمة السيولة لأحكام وشروط الإقراض والتي قد تكون عادة عقابية، وبالنسبة للقطاع الخاص  لا تستطيع الشركات الاقتراض بتكلفة منخفضة بسبب عامل المخاطرة.
خلفية: بدأت الأزمة النقدية في الواقع في فبراير  2018م، عندما كنا نرى علاماتها الصغرى.
يقول الدكتور مصطفى عمر: السبب الرئيس للأزمة هو تدهور أسعار صرف الدولار التي تجاوزت  سقف الـ 40 جنيهاً آنذاك، الأمر الذي جعل مؤسسة الرئاسة تتخذ قراراً مفاجئاً بتحجيم السيولة بالبنوك.
قبل وصول القرار الخاص بتحجيم السيولة النقدية  للبنك المركزي ومن ثم البنوك التجارية، انتشرت تسريباته عبر  الوسائط   السوشال ميديا    في ذلك الوقت، كانت الطوابير تتشكل خارج بعض البنوك من قبل المودعين لسحب مبالغ كبيرة، تخيل المبالغ المسحوبة في ثلاثة أيام، مبالغ تسحب عادة خلال شهر، بينما وضعت البنوك الأخرى حدوداً معتدلة.
كانت ظاهرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البنوك التجارية بالبلاد،  لم ندرك أنها كانت كأول الغيث قطرة.
شفط الأموال للخارج:
المقصود بالشفط هو سحب السيولة النقدية من المصارف من ناحية وإلى خارج البلاد من جهة أخرى.
مع تفاقم الأزمة الحالية هاجرت  رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج لتستقر في بعض الدول المجاورة لتوفر مناخاً استثمارياً محفزاً ومشجعاً. و لكن السؤال الذي يتبادر لذهن المواطن: هل نقص السيولة والنقود كان متوقعاً؟ قد لا أكون مخطئاً إذا قلت إنه من المتوقع. البلد الذي يبلغ معدل التضخم فيه 67%  رغم أنّ  الواقع أكبر من النسبة المعلنة ،  ونقص حاد في رصيد النقد الأجنبي بسبب زيادة الواردات على الصادرات.
أضف إلى ذلك أن أغلبية السكان يتعاملون بالعملة الورقية في معاملاتهم اليومية، فيحتاجون  إلى كمية كبيرة من النقود للوفاء بضروريات عدد هائل من المعاملات على مستوى المستهلك والتداول والمنتج.
حسب المفكر حسن وراق:  أنّ الحصيلة من الكتلة النقدية التي تحركت إلى تجار الأضاحي نحو (8) ترليون جنيه أي ربع الكتلة النقدية، وهذه المبالغ لن تذهب للقطاع المصرفي وهي التي أحدثت الكارثة النقدية بعد العيد  أضف إلى ذلك حريق سوق أمدرمان الذي أودى بحياة 850 مليار فطباعتها ستكلف الدول عملة حرة نحتاجها لخدمات ماسة، وستكون السيولة النقدية  الكاش  هي المشكلة الفعلية التي تهدد استقرار البلاد بالوضع الاقتصادي  المنهار .
قرار الحكومة المفاجئ بتحجيم السيولة اعتقاداً منها بأنه سيؤدي إلى مكافحة التضخم وانخفاض الأسعار، لابد أن تعلم أيضاً أن هذه العملية مضرة جداً بالعملية الإنتاجية. يطالب الخبير دكتور الجاك بإنشاء بورصة ومحفظة للمواشي والمحاصيل لدعم عملية الإنتاج.
هل السياسة النقدية مشلولة؟ في ظل زيادة عرض النقود و طباعة المليارات منها!
ما يحدث الآن من علامات انهيار المصارف هو مصيدة السيولة، وتصدير عدم الثقة.
كانت مصيدة السيولة فكرة سائدة خلال فترة الكساد العظيم في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، قدمها الاقتصادي الشهير كينز Keynes فيما يعرف بنموذج (تفضيل السيولة Money Trap)، وتعني وصول أسعار الفائدة إلى معدلات منخفضة جداً لا يتوقع أن تنخفض إلى أقل منها. ويكون الطلب على النقود كبيراً جداً بحيث تكون الرغبة جامحة في تفضيل السيولة النقدية وحب الاحتفاظ بها؛ لعدم اتضاح الرؤيا المستقبلية وازدياد درجة التشاؤم وانعدام الثقة في الاستثمارات المستقبلية. وهذا لا شك سيؤدي إلى هبوط شديد في الاستثمارات يعقبه انخفاض في الإنتاج ثم تزايد في معدلات البطالة.
خلاصة القول هنا أن انعدام الثقة في مستقبل المسار الاقتصادي يجعل الأفراد يميلون إلى الاحتفاظ بأرصدة السيولة والنقود التي لديهم عاطلة ولا يتخلون عنها.
وقد استنتج كينز من ذلك أن قيام السلطات النقدية بضخ السيولة في المصارف التجارية هو إجراء غير مجد ولن يتمكن من إنعاش الفعالية الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي.  
وهذا ما حدث بالضبط، بعد طباعة عملات تقدر بمليارات في ألمانيا وضخها في الصرافات الآلية، لكنها للأسف شفطت من جديد إلى الاحتفاظ بها، بل تتم مداولتها خارج النظام المصرفي فيما يعرف ببيع الشيكات وهو تعامل مشكوك فيه لشبهة الربا رغم عدم توفر بديل له.
من الآثار الرئيسة للأزمة المالية في البلاد حالياً هو تفضيل السيولة النقدية مقارنة بالبدائل الأخرى، وكذلك عدم فاعلية السياسات النقدية. رغم المحاولات المتكررة في استعادة الودائع للبنوك التجارية لخلق توازن، أصبح الوضع الاقتصادي خارج السيطرة تماماً، وأسعار الصرف تتزايد يوماً بعد يوم، ولا خبر يذكر للجنة صناع السوق.
على الرغم مما قام به رئيس مجلس الوزراء عبر البنك المركزي  من تقديم التسهيلات الواسعة لدعم السيولة المصرفية من أجل تفعيل الحركة الاقتصادية، فإن الاستجابة السوقية لذلك لم ترق بعدُ إلى المستوى المطلوب.
في رأيي التحول إلى التعاملات الإلكترونية في الوقت الحالي غير مجدً لأسباب ذكرت في مقال سابق.
فالعملية تحتاج لعلاج عبر زيادة الإنتاج  الصادرات  ودعم الاستهلاك بمعنى تدخل الحكومة عبر السياسة المالية  وزارة المالية  لا البنك المركزي  السياسة النقدية .
حالة القلق والهلع التي سادت الأسواق  السلع والخدمات   انعكست مباشرة على المواطنين في البلاد، حتى مع انعدام المبرر لحدوث ذلك، وهذا العامل النفسي ما زال فاعلاً في التأثير على حركة الأسواق والمنتجين، مولداً أنماطاً مرتبكة ومختلطة الاتجاهات ما زالت تتكاثر مع حريق سوق أمدرمان الكارثي.
نخلص في هذه الجزئية في ظل هذه الأزمة أن السياسة النقدية تكون مشلولة، الأمر الذي دفع بكينز إلى التأكيد على ضرورة الاعتماد على السياسة المالية لتفعيل النشاط الاقتصادي، ذلك أن أي زيادة في المعروض النقدي ستذهب إلى نقود عاطلة من خلال الاحتفاظ بها وحبسها عن القيام بوظائفها الرئيسة  مقتبس من مقال الدكتور سعود المطير.
ختاماً: في ظل هذه الظروف السياسة المالية هي القادرة على إعادة التفاؤل والثقة بالاقتصاد، وهي المحفز الحقيقي لإعادة النمو الاقتصادي، وجذب القطاع الخاص ليأخذ مكانه الطبيعي، كما أن ذلك سيعيد البنوك التجارية لأخذ دورها ومكانتها بتسهيل عملية التمويل للمستثمرين، وبعد عودة الثقة في الاقتصاد الوطني، وتحسن المناخ الاستثماري يمكن أن يعول على السياسة النقدية للقيام بدورها في تحفيز النشاط الاقتصادي وتحسين معاش الناس.

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

nadir halfawe
كاتب فى صحيفة أخبار اليوم السودانية

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة